يقدم الزكاة من ماله ليعود بها على ما سيأتيه من مال الزكاة
تأتيني أموال للزكاة من خارج سوريا ، ولكن ريثما تصلني اضطر لإعطاء الفقراء المرضى أدوية إسعافية من صيدليتي ، وأحيانا أعطيهم نقودا ثم أستردها من أموال الزكاة إذا وصلت فهل هذا جائز؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
إعطاؤك الزكاة من مالك لمن هو مستحق للزكاة ثم استردادك مقدار ذلك مما يأتيك من
أموال الزكاة التي طُلب منك توزيعها على الفقراء له حالان:
الحال الأولى: أن يكون صاحب الزكاة أذن لك بأن تقدِّم الزكاةَ من مالك حتى تصلك
زكاته فهذه وكالة صحيحة.
جاء في " مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (2 /127 ) : " (وَمَنْ أَخْرَجَ
زَكَاةَ شَخْصٍ حَيٍّ أَوْ كَفَّارَتَهُ مِنْ مَالِهِ) ، أَيْ: مَالِ الْمُخْرِجِ
(بِإِذْنِهِ) ، أَيْ: إذْنَ مُخْرَجٍ عَنْهُ (صَحَّ) إخْرَاجُهُ عَنْهُ
كَالْوَكِيلِ" .
قال النووي رحمه الله: " له أن يوكل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه.." .
انتهى من "المجموع" (6/138) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم :(143842)
.
ولك في هذه الحال استرداد ما دفعته إذا كنت نويت أخذ ما قدمته مما سيأتيك ، إما إذا
كنت أثناء الدفع لم تنو الاسترداد فليس لك استرداده بعد ذلك .
الحال الثانية : أن يكون الإخراج بلا إذن المُزكي ولا علمه ، فليس لك في هذه الحال
أن تسترد ما دفعته ، وخاصةً إذا كان الشخص الذي تُخرج عنه الزكاة : غير مُعيَّن ،
أي على نية أن تأخذه من المال الذي سيأتيك ممن لهم عادة بإرسال الزكاة إليك .
ذكر ابن مفلح في " الفروع " (4/ 253) أنه لا تجزئ نية الوكيل وحده وفاقاً ، قال : "
لأن نيته لم يؤذن له فيها ، فتقع نفلاً ولو أجازها [ أي صاحب الزكاة ].
وكذا من أخرج من ماله زكاةً عن حي بلا إذنه : لم تجزئه ولو أجازها؛ لأنها ملك
المتصدِّق فوقعت عنه " انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " كل من أخرج زكاةً عن شخص لم يوكله ، فإنها لا
تجزئه عنه ؛ لأن الزكاة لابد فيها من النية" انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (130572)
.
وقد كنا عرضنا على الشيخ البراك حفظه الله سؤالا جاء فيه :
س / إمام مسجد يقدم الزكاة من ماله للفقراء والمحتاجين إلى حين مجيئها فيستخلص ما
قدمه ؟
فأجاب حفظه الله : " هذه المسألة مطروحة من كثير من المهتمين بشؤون ذوي الحاجات ،
والظاهر - والله أعلم - أنه لا يجوز ؛ لأنه يقبض الزكاة من أهلها على أنه قد صرفها
قبل أن يتسلمها ، فهو يأخذ الزكاة على أنه وكيل سيصرفها بعد قبضها ، مع أنه قد سدد
قبل تلقي الوكالة !
إلا إذا كان استأذن من الدافع للزكاة قبل إخراجها .
ومن الصور الجائزة :
- أن يتصل هذا الشخص الذي تأتية الزكوات عادةً على أشخاص يتوقع أن تأتي منهم الزكاة
ويقول لهم : تأتينا حالات حرجة وسأخرج من مالي بانتظار زكاتكم في رمضان ، فمن أعطاه
منهم في رمضان اعتبرها حسب الاتفاق السابق .
- ويجوز إذا كانت الحاجة ماسة ، وقد استدان وتحمل دينا ، فقد نشبهه بالغارم في
إصلاح ذات البين ، فيأخذ الزكاة على هذا الأساس ، ويُعْلِم صاحب الزكاة على أنه
يقبضها على هذا الأساس" انتهى .
ثانيا:
إخراجك زكاة المال على شكل أدوية إذا لم يكن بإذن المزكي بإخراجها أدوية فلا يجزئ ؛
لأن الوكيل ليس له التصرف بغير إذن الموكل .
وإن كان بإذن المزكي في إخراج زكاته على شكل أدوية ، ففي المسألة خلاف ، والراجح
جوازه للحاجة والمصلحة.
قال الشيخ ابن باز في " الفتاوى " (14 / 253) : " ويجوز أن يخرج عن النقود عروضاً
من الأقمشة والأطعمة وغيرها ، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة
، مثل أن يكون الفقير مجنوناً ، أو ضعيف العقل ، أو سفيهاً ، أو قاصراً ، فيخشى أن
يتلاعب بالنقود ، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاماً ، أو لباساً ينتفع به من زكاة
النقود بقدر القيمة الواجبة ، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم". انتهى .
وينظر جواب السؤال : (138684) .
وفي حال كونه أذن لك بإخراجها أدوية فلا يجوز لك أن تشتري هذه الأدوية من صيدليتك
إلا بإذن المزكي ، لأن الوكيل لا يشتري من نفسه إلا إذا أذن موكله .
جاء في "كشاف القناع" ( 3/473 ) : "( وَلا يَصِحُّ بَيْعُ وَكِيلٍ ) شَيْئًا
وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ ( لِنَفْسِهِ ) ؛ لأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْبَيْعِ بَيْعُ
الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ فَحُمِلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَيْهِ وَكَمَا لَوْ صَرَّحَ
بِهِ وَلأَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِهِ تُهْمَةٌ وَيَتَنَافَى الْغَرَضَانِ فِي بَيْعِهِ
لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ نَهَاهُ ( وَلا ) يَصِحُّ ( شِرَاؤُهُ ) أَيْ
الْوَكِيلِ شَيْئًا وُكِّلَ فِي شِرَائِهِ ( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ نَفْسِهِ (
لِمُوَكِّلِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ .. ( إلا بِإِذْنِهِ ) بِأَنْ
أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهَا فَيَجُوزُ
لانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ".
وينظر جواب السؤال : (148503) .
والله أعلم .