أكمل دراسته قبل انتهاء مدة المنحة الدراسية فهل يستحق المال الذي تعطيه الدولة بعد ذلك ؟
أسأل عن طالب كان موفداً لدرجة الماجستير مع مجموعة أخرى من الطلبة ؛ وعندما أنهى دراسته ، وحصل على الشهادة في وقت قياسي ، في حين كان أغلب الطلبة الآخرين لا يزالون مستمرين في الدراسة ، ويحتاجون إلى سنين لكي يكملوا دراستهم ، في الوقت الذي كان الطلبة الآخرون يتقاضون المنحة الدراسية ، قرر هذا الطالب أن لا يخبر سفارة بلاده أنه قد أنهى دراسته ، مخافة أن يوقفوا المنحة الدراسية ، وبالتالي يضطر للعودة إلى بلده ، ولا يستطيع إكمال دراسة الدكتوراه ، علماً بأن السفارة كانت تسأل عن الوضع الدراسي بين الحين والآخر ، وقد مكث هذا الطالب ودرس الدكتوراه على حسابه ، ولم يتم صرف منحة له ، علما بأن هذه الحادثة مر عليها ما يقرب من ثلاث عشرة سنة .
فسؤالي :
ما حكم المنحة التي تقاضاها في المدة بعد انتهائه من دراسة الماجستير ؟
وهل يجب عليه إرجاعها للدولة أو التصدق بها ، علما بأن السفارة لم تعطه حقه فيما يتعلق بجهاز الحاسوب وتذاكر السفر السنوية وغيرها ؟
الجواب
الحمد لله.
الواجب على المسلم الصدق في جميع شأنه ، والوفاء بالشروط التي تعاقد عليها ، ووعد
بالالتزام بها ، فقد قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) المائدة/1، وقال سبحانه وتعالى : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ
الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) الإسراء/34 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً ، أَوْ
أَحَلَّ حَرَامًا ) رواه الترمذي (1352) وقال حسن صحيح . وصححه النووي في " المجموع
" (9/376) .
ولهذا كان الواجب عليك الالتزام بإخبار الجهة المانحة عن إتمامك دراستك في الوقت
القياسي ، وذلك في حالة اشتراط الجهة المانحة هذا الشرط عليك ، أو كان عرفهم العام
المستقر : أن تلتزم بإخبارهم حال انتهاء دراستك ، وهو الغالب المعمول به . ولا يسوغ
ما فعلت أنك اجتهدت في دراستك فأنهيتها في وقت مبكر ، فالقضية ليست راجعة إلى ما
تسلكه وتتمه ، بل إلى نظام المنح والابتعاث الذي التزمت به ، فالواجب عليك الالتزام
بما فيه من الشروط .
أما إذا لم تشترط الجهة المانحة ذلك عليك ، ولم يكن لها عرف مستقر بذلك ؛ بل منحتك
المال لنفسك لتنتهي من دراستك في الوقت الذي تشاء ، وتستمر في المكث إلى حين انتهاء
المنحة ، فلا حرج عليك حينئذ في الاستمرار في إقامتك هناك ، وإكمالك مشوار الدراسة
ومرحلة الدكتوراة ، بل ذلك علامة على جدك واجتهادك ، بشرط أن يكون ذلك متاحا في
نظام المنح والابتعاث الذي حصلت فيه على المنحة وفقا لبنوده ومواده .
فإذا كانت المخالفة هي الحاصلة فالواجب إرجاع المال إلى الجهة المانحة ، فقد أخذته
منها بغير وجه حق ، بمخالفة شروطها ونظامها ، والمسلم مطالب بأداء الأمانة ، وعدم
مقابلة التقصير بالتقصير والخداع ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَدِّ
الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) رواه أبو داود
(3534) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وأداء الأمانة يقتضي منك إرجاع المال إلى الخزينة العامة ، فإن شق ذلك عليك جاز لك
التخلص منه بإنفاقه على المصالح العامة ، كبناء مسجد أو مستشفى أو مدرسة ونحو ذلك .
يقول النووي رحمه الله :
" قال الغزالي : إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه .. فينبغي أن يصرف
في مصالح المسلمين العامة ، كالقناطر والربط والمساجد ونحو ذلك مما يشترك المسلمون
فيه . وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب ، وهو كما قالوه
، نقله الغزالي أيضا عن معاوية بن أبي سفيان وغيره من السلف ( انظر مصنف ابن أبي
شيبة 4/561) ، وعن أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما من أهل الورع ، لأنه لا
يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر ، فلم يبق إلا صرفه في مصالح المسلمين " انتهى
من في " المجموع " (9/330 ) .
وغاية ما يحق لك أخذه من هذا المال : الحقوق الظاهرة المتفق عليها ، من التذاكر ،
أو جهاز الحاسوب ونحو ذلك ، مما لم تأخذه ، وكان متفقا عليه صراحة ، أو استقر العرف
بين الدارسين بالحصول عليه .
وينظر جواب السؤال رقم : (162369) .
والله أعلم .