وقعت أختها في الزنا ولا تزال مستهترة، وتسأل عن التصرف معها .
في إجازتي السنوية رجعت إلى بلدي ، وعلمت أن أختي الصغيرة أقامت علاقة غير شرعية مع أحد عندما كانت تدرس بالجامعة بعيدا عن بلدتنا . وقد أسفرت عن حمل ، وأن والدي كانا على علم بذلك . قابل والداي السيد ، وطلبا منه الزواج من أختي ، والتخلص من الجنين ، لكنه رفض متعللا بتعلقه به . فقررت العائلة التخلص من الجنين وكتمان اﻷمر . فطلبت من أبوي الاجتماع لمناقشة اﻷمر ، لكنهم أنكروه . فأخبرتهم أني أملك الدليل وهو صورة موثقة للجنين كانت تحتفظ بها الجانية . وكانت آخر مرة أكلمهم فيها...كنت ولا أزال تحت الصدمة لمدة 18 شهرا . فهجرتهم منذ عدة أشهر ، بدأت أبحث عن حل ، فأختي أصبحت تجاهر بحبها مما جعلها فريسة الذئاب الذين سمعوا باﻷمر ، وأنا من شيخ لآخر ، ومن موقع لآخر أبحث عن حل ، فمنهم من نصحني بملازمة عائلتي ومحاولة هدايتهم . أما المنتديات فقد اتفقوا على كتمان اﻷمر ومحاولة إصلاحه ، ووجدت حرمان الجانية من الخروج الى الشارع وتزويجها في أقرب فرصة . ووجدت تقييدها حتى تتوب . لكن هذا غير مسموح به في بلاد الطاغوت . كما أن إقامة حدود الله ليست ممكنة..
فوصلت إليكم ، وقرأت كل ما تعلق بالزنى . ثم اتصلت بوالدي ، وطلبت منه أن يوقفها عن الدراسة كحل أولي...لكنه رفض متعللا أنه ترك عمله لمدة 3 أشهر ليتابع تحركاتها ، دون جدوى...فجاري يراسلني ويؤكد علي أنها لم تتب .
أمي هي الماسكة بزمام اﻷمور ، ولكنها لم تتخذ قرارا صائبا عند اﻷزمات ، بل وتزيد في تقصيرها في حق الله ، وتعاند إلى اليوم ، على أنها قامت باﻷمر اﻷنسب ، ولا تفكر إلاّ في الفضيحة التي لن يطول التستر عليها . بل وتزيد من دلالها للجانية .
إني لا أرى في التستر حلا منطقيا ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يتستر على الغامدية ، بل أمر برجمها . والجلد والتغريب أنسب من التستر لغير المؤمنين .
الجواب
الحمد لله.
النصيحة في مثل هذه القضايا أن لا تكثروا السؤال والتنقل بين العلماء ، إذ لا أحد
يملك هداية قلوب الناس سوى الله عز وجل ، والعباد إنما يملكون النصيحة والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالله عز وجل يقول : ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ ) القصص/56. والنصيحة بالستر لا تعني الرضا بما وقع من أختكم
ومعصيتها الكبيرة ، وإنما لأن الستر أخف الضررين ، فالفضيحة لا تأتي بالتوبة غالبا
، بل بالإصرار من قبل العاصي ، وتؤدي إلى المفسدة على الأهل والمجتمع بما يصعب محوه
أو تداركه .
فلذلك :
إما أن يتم الزواج بين أختكم وبين الزاني بعد توبتهما ، وحينئذ يمكن أن تتجه الأمور
نحو التهدئة والاستقرار.
وإما أن يستمر الحال على ما أنتم عليه ، فالنصيحة حينئذ أن تعترفوا بوقوع الخلل
وعدم القدرة على ضبطه ، وعليكم أن تبذلوا جهدكم في محاولة ضبطه وتدارك الأمر . وذلك
يكون باستمرار النصيحة والحث على التوبة ، وتضييق طرق الحرام عليها ، فسفرها بعيدا
عن والديها واستمرارها في الدراسة بهذه الطريقة يسهل عليها فعل المعصية ، ويبعدها
عن التوبة ، وليست الدراسة في الجامعة أهم من شرف البنت وعفتها حتى تتم التضحية
والتنازل عن شرفها مقابل تعلمها ، فإما أن تمنع من الجامعة حتى تستقيم وتظهر توبتها
، أو تذهب في أيام الاختبارات فقط ، ويقوم والدها بالذهاب معها ، ولا يتركها تسافر
بمفردها .
وإذا أمكن نقلها إلى جامعة أخرى فهو أفضل ، لأن الجو المحيط بها يساعدها على
المعصية ، فالأصحاب الجدد والمجتمع الجديد قد يساعدها على التوبة والاستقامة ، وهذه
إحدى الحكم لتغريب الزاني عن بلده سنة .
أما استمرار الجدال بينكم عن التستر والفضيحة فليس فيه أي عون لعلاج المشكلة ،
وإنما هو انحراف بها عن قضيتها الأساسية ، وكذلك التشهير والإعلان بدعوى أن ذلك
سيكون رادعا للفتاة فليس هذا من الدين ، ولا من الخلق الكريم ، وغالبا ما يحقق
نتائج عكسية تماما .
يقول ابن رجب رحمه الله :
" التوبيخ والتعيير بالذنب مذموم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تُثَرَّبَ
[يعني : تعير] الأمة الزانية مع أمره بجلدها . فتجلد حداً ، ولا تعير بالذنب ولا
توبخ به .
قال الفضيل : المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويُعيِّر ...
وأما إشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرمه الله ورسوله ، قال الله تعالى : ( إِنَّ
الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا
تَعْلَمُونَ ) (النور: 19) .
" انتهى من " الفرق بين النصيحة والتعيير (ص: 16-17).
وقد سبق في موقعنا تناول عدد من القضايا الاجتماعية والأسرية الشبيهة لحالة سؤالكم
، يمكنكم الإفادة من الأفكار المطروحة فيها في الأرقام الآتية : (111665)
، (115098) ، (127975)
، (146828)
والله أعلم