الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هَجَر أخته التي تعصي ربها فهل يُحرم من المغفرة ومن قبول عمله ؟

146828

تاريخ النشر : 16-03-2010

المشاهدات : 29806

السؤال

أنا شاب على خلاف مع أختي في البيت ، وأخاف أن تكون صلاتي غير مقبولة ، وهذا لرغبتها - فجأة - في أن تتمتع بالحرية ، وادعائها مواكبة العصر حيث تعمل طوال اليوم ، ترفع صوت مسجل الأغاني ، تريد الاحتفال برأس السنة الميلادية ، وتلبس أزياء ليست من عادتها ، كالبنطال ، وصلت بها الجرأة أن تأتي بذاك اللباس إلى الغرفة التي كنت فيها لمشاهدة نفسها في المرآة ! فمنعتُها من دخولها مرة أخرى ، لا أتكلم معها بسبب الشجار الدائم ، هل تكون كل أعمالي وعبادتي غير مقبولة ؟ ولولا ذلك لتمادت في هذه الأمور وأكثرتْ منها ، ولم تبالِ لأحدٍ لغياب ما يمنعها أو يقّلل من ذلك ، وهذا في ظل سكوت والدايَّ ، ورفضهم تلك المعاملة من طرفي .

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

سبق في جواب السؤال رقم ( 115098 ) ماذا يفعل الأخ إذا كانت أخته تخرج بالحجاب والبنطلون ، وبينَّا في جواب السؤال رقم ( 111665 ) ماذا يفعل إذا كانت أخته تحادث رجلاً أجنبيّاً ووالداها لا ينكران عليها ، فلينظرا فهما في الموضوع نفسه .

ثانياً:

الهجر لأصحاب المعاصي والبدع مشروع في أصله ، بل قد يجب إذا كان له ثمرة في إصلاح العاصي أو المبتدع ، أو كان نافعاً في التحذير من شرهما وكف أذاهما عن المسلمين ، فما فعلتَه مع أختك من ترك الكلام معها لا يخرج عن هذا ، فإن رأيتَ أن هجرها نافع لها ، وأنها قد ترتدع عن غيها ومعاصيها : فاستمر على ذلك الهجر ، ولو طالت المدة ، وإن رأيتَ أن ذلك غير نافعها بشيء ، وأنها قد تزداد في معاصيها : فالنصيحة لك الكف عن هجرها وسلوك طرق أخرى في التقرب في قلبها ونفسها ، ومحاولة التأثير عليها بطرق مختلفة عن الهجر .

وقد سبق بيان ذلك في أجوبة عديدة ، فانظر أجوبة الأسئلة : (  83581 ) و ( 98636 ) و ( 65500 ) .

ثالثاً:

وأما سؤالك عن قبول عملك في حال هجرك لأختك وعدم الكلام معها : فإن ذلك يرجع إلى طبيعة الهجر وسببه وآثاره المتوقعة ، والذي ذكرتَه أنت يجعل هجرك لها شرعيّاً ، ولا تدخل بسببه مع الذين لا يغفر لهم من أجل المشاحنة ، ولا مع قاطعي الرحم الذين لا تُقبل أعمالهم .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) .

رواه مسلم ( 2565 ) .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ ) .

رواه أحمد في " مسنده " ( 16 / 191 ) وحسنه المحققون .

وهذه الأحاديث إنما يراد بها من خاصم أخاه لأمرٍ دنيوي ، ومن قطع رحمه لا لسبب شرعي ، كما بيَّنه الأئمة والعلماء شرَّاح الأحاديث ، وفقهاء الإسلام .

فالحديث الأول رواه أبو داود – مع مسلم - ( 4916 )  ، وقال بعده :

النبي صلى الله عليه وسلم هجَر بعض نسائه أربعين يوماً ، وابن عمر هجر ابناً له إلى أن مات.

قال أبو داود : إذا كانت الهجرة لله : فليس من هذا بشىء ، وإن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل .

" سنن أبى داود " ( 4 / 432 ) .

وقال النووي – رحمه الله – شرحاً لحديث الصحابي عبد الله بن مغفل الذي هجر قريباً له بسبب معصية أصرَّ عليها - :

فيه : هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنَّة مع العلم ، وأنه يجوز هجرانه دائماً ، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا ، وأما أهل البدع ونحوهم : فهجرانهم دائماً ، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له ، كحديث كعب بن مالك وغيره.

" شرح مسلم " ( 13 / 106 ) .

وقال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – بعد أن ساق أحاديث في النهي عن التقاطع والهجران -:

وكل هذا في التقاطع للأمور الدنيوية ، فأما لأجل الدين : فتجوز الزيادة على الثلاثة ، نصَّ عليه الإمام أحمد ، واستدل بقصة الثلاثة الذين خلفوا وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهجرانهم لما خاف منهم النفاق ، وأباح هجران أهل البدع المغلظة والدعاة إلى الأهواء ، وذكر الخطَّابي أن هجران الوالد لولده والزوج لزوجته وما كان في معنى ذلك تأديباً : تجوز الزيادة فيه على الثلاث ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هَجَر نساءَه شهراً .

" جامع العلوم والحكم " ( ص 331 ) .

فنرجو الله أن يقبل أعمالك وأن يغفر لك ذنبك ، وعليك بمراجعة نفسك فيما فعلتَ من الهجران لأختك ؛ فإن رأيتَ ذلك نافعها : فاستمر على ذلك ، ولست داخلاً في الأحاديث التي تحذر من الهجران والقطيعة ، وإن رأيتَه غير نافع ، ورأيتَ محاربة من أهلك لك ، وخشيت على نفسك من الفتنة بسبب ذلك : فتوقف عن الهجر واشتغل بتأليف قلبها بما تراه مناسباً ، من حسن معاملة ، أو هدية ، أو البحث عن أخوات فاضلات يكلمنها وينصحنها ، وغير ذلك مما قد يكون مفتاحاً لقلبها لتترك معصية ربها تعالى .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب