يعاني الكثير من المشاكل ، ويشعر بالحسد تجاه الآخرين .
أعاني من الكثير من المشاكل الشخصية ، مثل انعدام الثقة بالنفس ، والشعور الدائم بالذنب ، بسبب قرارات اتخذتها في السابق ، ولا أستطيع تغييرها .
كما أشعر بالحسد والمرارة عند رؤية أي مسلم سعيد في حياته ، وخصوصاً الأزواج ، فذلك يجعلني ألوم نفسي لعدم تمكني من الحصول على ما حصلوا عليه .
وقد أخبرني أحد أعمامي أنّ هذه المشاكل سببها الجن ، وأنه ينبغي علي اللجوء للرقية ، ولكنني أخشى إن ألقيت اللوم على الجن أن يكون ذلك تهرباً من الاعتراف بالمشاكل النفسية التي أعاني منها بشكل واضح .
فماذا أفعل ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
يسرنا أن نجد في المسلمين مثل هذا الوعي الجيد تجاه مشاكلهم النفسية أو الفكرية ،
فقد أحسنت في عدم تعليقك هذه المشاكل على الجن ، فإن كثيرا من الناس يبالغون في ذلك
، فكلما أصيب أحدهم بشيء قال : إنه بسبب الجن ، رغم أن الله سبحانه وتعالى جعل
لعالمهم حدوده التي لا يمكن تجاوزها إلا أن يشاء الله ، وجعل على العباد حفظة من
الملائكة يحمونه من الشر ، فقال عز وجل : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) الرعد/11.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" أي : للعبد ملائكة يتعاقبون عليه ، حَرَس بالليل ، وحَرَس بالنهار ، يحفظونه من
الأسواء والحادثات ، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر ، ملائكة
بالليل وملائكة بالنهار ، فاثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال ، وملكان
آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحدا من ورائه ، وآخر من قدامه ، فهو بين أربعة أملاك
بالنهار ، وأربعة آخرين بالليل ، حافظان وكاتبان " انتهى من " تفسير القرآن العظيم
" (4/ 437) .
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( احْفَظِ
اللَّهَ يَحْفَظْكَ) رواه الترمذي (2516) ، وصححه الألباني في " مشكاة المصاببيح "
(5302) .
فلا يجوز لأحد أن يحمل الجن مسئولية كل ما يصيبه حتى يخرج هو بريئا من الخطايا
والتقصير ، مع أن الله تعالى أخبرنا أن كل ما يصيب الإنسان إنما هو بسبب ذنوبه
ومعصيته لله ، فالخير والشر كله مقدر لله تعالى ، ولكن الله قدره وقدَّر معه أسبابه
، من الطاعة أو المعصية ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ
فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/30.
وقال سبحانه : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
الروم/40 ، هذا في جانب الشر .
أما في جانب الخير والسعادة فقال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ
أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 .
وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )
الطلاق/2-3 .
فمن أراد الحياة الطيبة الهانئة السعيدة وأراد تيسير أموره والمخرج من كل أزمة
ومشكلة تقابله فعليه بالإيمان والعمل الصالح والتقوى .
فبدون ذلك فلا يطلب سعادة ولا راحة بال .
ومن انهمك في معصية الله ومخالفة أمره فقد اختار الشقاء لنفسه ، فإن أصابه بعد ذلك
شيء فلا يلومن إلا نفسه .
فليس من الحكمة أن يقصر الإنسان في اتخاذ أسباب السعادة ، ثم يستغرق وقته في ندب
حاله والتعاسة التي يعيشها .
فعليك أن تصلح ما بينك وبين الله تعالى أولا ، ثم بعد ذلك فسيصلح الله لك كل أحوالك
.
وقد سبق في موقعنا العديد من الأفكار والمقترحات التي تعين على بناء الثقة ، وتجاوز
الأزمات المستعصية : (83962) ، (113465)
، (194318) ، (212179)
.
كما سبق ذكر مجموعة من الإرشادات في الشفاء من داء الحسد في القلب ، ينظر جواب
الفتوى رقم : (12205) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالك وأن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .