يستحب افتتاح الرسائل والمكاتبات بذكر الله تعالى
هل افتتاح الرسائل عند كتابتها بالثناء على الله تبارك وتعالى ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضروري في كل الرسائل حتى لو لم تكن رسائل إسلامية ؛ كالرسائل التي توجه إلى المدراء ، أو المسئولين..الخ ؟
لعل في افتتاح الرسائل بمثل هذه الديباجة نوع من أنواع الدعوة الغير مباشرة ، لكن لا أدري مدى ملائمتها لشتى الظروف .
وماذا عن بدء الخطابات بتلك الديباجة ، هل هو أمر واجب عند الحديث في أي موضوع ، أم أنه خاص فقط بالخطابات الإسلامية ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
يستحب البداءة في الكتب والرسائل والمكاتبات المهمة ، بذكر الله تعالى .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (18/128-129) :
" ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الاِبْتِدَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ
تَعَالَى فِي الأْمُورِ الْمُهِمَّةِ مَنْدُوبٌ ؛ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى ، وَعَمَلاً بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ( كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ
لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَقْطَعُ ) [ والحديث ضعفه
الألباني في " ضعيف الجامع " برقم 4216] فَيُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ
لِكُل مُصَنِّفٍ ، وَدَارِسٍ ، وَمُدَرِّسٍ ، وَخَطِيبٍ ، وَخَاطِبٍ ، وَبَيْنَ
يَدَيْ سَائِرِ الأْمُورِ الْمُهِمَّةِ ، قَال الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ أَنْ
يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خُطْبَتِهِ وَكُل أَمْرٍ طَلَبَهُ حَمْدَ
اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالصَّلاَةَ عَلَى
رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ......
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي : أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لِلْكُتُبِ وَالْوَثَائِقِ
وَالرَّسَائِل ، كَمَا فِي كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَى الْمُلُوكِ وَمَا كَتَبَهُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَأَنَّ الْحَمْدَ
لِلْخُطَبِ " انتهى .
وقال القرطبي رحمه الله :
" اتَّفَقُوا عَلَى كَتْبِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ " فِي أَوَّلِ
الْكُتُبِ وَالرَّسَائِلِ " .
انتهى من " تفسير القرطبي " (13/ 193) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" يشرع كتابة البسملة في البطاقات وغيرها من الرسائل ؛ لما روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر ) ولأنه صلى
الله عليه وسلم كان يبدأ رسائله بالتسمية ، ولا يجوز لمن يتسلم البطاقة التي فيها
ذكر الله أو آية من القرآن أن يلقيها في المزابل أو القمامات أو يجعلها في محل يرغب
عنه ، وهكذا الجرائد وأشباهها ، لا يجوز امتهانها ولا إلقاؤها في القمامات ، ولا
جعلها سفرة للطعام ، ولا ملفا للحاجات ؛ لما يكون فيها من ذكر الله عز وجل ، والإثم
على من فعل ذلك ، أما الكاتب فليس عليه إثم " .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (5/ 427) .
ثانيا :
يشمل ذلك الحكم جميع الرسائل ذات الأمور المهمة ، سواء كانت دينية أو دنيوية ، ما
لم تكن محرمة أو مكروهة .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (8/ 92):
" اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَشْرُوعَةٌ لِكُل
أَمْرٍ ذِي بَالٍ ، عِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا " انتهى .
وهذا كله على سبيل الندب والاستحباب لا الوجوب .
وانظر جواب السؤال رقم : (146079) .
ثالثا :
إذا ذكر في الرسالة أو غيرها مع البسملة الحمد والثناء على الله ، والصلاة على
رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا حرج عليه ، وقد سبق كلام الإمام الشافعي رحمه الله
تعالى في ذلك ، وقد تكون هناك مناسبة أو حاجة إلى الثناء على الله تعالى ببعض
الأسماء الحسنى التي يفهم من كتبت إليه الرسالة المقصود منها .
روى ابن أبي حاتم في " تفسيره " (10/ 3263) عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: "
كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ذُو بَأْسٍ ، وَكَانَ يَفِدُ إِلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَفَقَدَهُ عُمَرُ فَقَالَ : مَا فَعَلَ فَلَانُ بن فلان ؟ فقالوا: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُتَابِعُ فِي هَذَا الشَّرَابِ [يعني : يشرب الخمر] قَالَ:
فَدَعَا عُمَرُ كَاتِبَهُ فَقَالَ : اكْتُبْ " مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى
فُلانِ بْنِ فُلانٍ : سَلامُ عَلَيْكَ ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهُ
الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ شَدِيدُ
الْعِقَابِ ذِي الطّوْلِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِير " ثُمَّ قَالَ
لِأَصْحَابِهِ: " ادْعُوا اللَّهَ لِأَخِيكُمْ أَنْ يُقْبِلَ بِقَلْبِهِ ، وَأَنْ
يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ " فَلَمَّا بَلَغَ الرَّجُلَ كِتَابُ عمر جعل يقرؤه
ويردده ويقول : غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، قَدْ
حَذَّرَنِي عُقُوبَتَهُ وَوَعَدَنِي أَنْ يَغْفِرَ لِي " .
وانظر : " تفسير ابن كثير" (7/116) .
وروى الطبراني في " الكبير" (4860) عن أَبِي الزِّنَادِ : " أَنَّهُ أَخَذَ هَذِهِ
الرِّسَالَةَ مِنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : " بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، لِعَبْدِ اللهِ مُعَاوِيَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ ،
فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَمَا بَعْدُ "
فذكر الحديث .
وروى الخطيب في " الكفاية " (ص 340) عن عُبَيْد اللَّهِ بْن مُعَاذٍ , قَالَ : "
كَتَبَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ , وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ إِلَى أَبِي
وَهُوَ قَاضِي الْبَصْرَةِ : مِنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ إِلَى مُعَاذِ
بْنِ مُعَاذٍ , سَلَامٌ عَلَيْكَ , فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا
إِلَهَ إِلَّا هُوَ , وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ ,
أَمَّا بَعْدُ : أَصْلَحَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ , بِمَا أَصْلَحَ بِهِ
الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ هُوَ أَصْلَحَهُمْ "
وعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ : " أَنَّ مُكَاتَبَةَ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ : "
مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ سَلَامٌ عَلَيْكَ ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَحْمَدُ
إلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى
مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ " .
انتهى من " الآداب الشرعية " (1/ 388) .
والخلاصة :
أن افتتاح الرسائل بذكر الله تعالى والبسملة أمر مستحب مشروع ، فإن زاد على البسملة
الثناء على الله ومدحه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم فلا بأس بذلك ، وخاصة
مع المصلحة والحاجة ، سواء في الأمور الدينية أو الدنيوية .
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم : (198038) ، (146079) .
والله تعالى أعلم .