الحمد لله.
ثانيا :
رحمة الإسلام بالمخلوقات هي حقيقة ثابتة قطعية ، كما يعلم ذلك من عامة موارد
الشريعة ، ومصادرها ؛ لكن ينبغي فهمها على وجهها الصحيح ، وبيان ذلك كالآتي :
1- الله خلق الناس في هذه
الدنيا للابتلاء والامتحان .
قال الله تعالى :( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك / 1- 2.
وخلق الله أجسام الناس بأحسن صورة وأليقها لتحمل أمانة الدين التي كلفوا بها ،
ولتقوى هذه الأجسام وتكون قادرة على تحمل التكاليف أباح لها ما يقويها وينشطها ،
وما يحصل به حياتها وبقاؤها ، وكمالها وجمالها اللائق بتكريمها ، من طعام وشراب
ودهن وعطر ودواء ؛ وأودع هذه المنافع في نباتات وحيوانات مختلفة .
ثم إن ذلك كله : لم يهمل فيه جانب الرحمة ، في حق ما خلقه الله لمنفعة الإنسان ؛ بل
خلقه على هيئة تناسب حكمة خلقه ، من غير مجافاة لجانب الرحمة في حقه ، وشرع في حقه
أيضا : ما يتمم ذلك ويكمله .
فمن ناحية الخلق ؛ جعل الله بعض الأطعمة لا روح لها تتألم أو تشعر كما هو حال
النبات ، فلا ضرر عليه بأي صورة كان قطعه ، كما هو معلوم لكل العقلاء .
وأما الحيوان ، فهو وإن كانت له روح تتألم وتشعر بالخوف والجزع ؛ إلا أنّ لا عقل له
؛ فلا يعرف الموت إلا عندما يراه ، ولا يؤثر موت فرد من القطيع على باقي القطيع ؛
فترى القطيع يُفْتَرَس فرد من أفراده ، وبعد دقائق تراه قد عاد هذا القطيع في سكون
ودعة إلى مرعاه وكأن شيئا لم يقع .
2- وأما من ناحية التشريع
فالله سبحانه وتعالى نهى عن قتل الحيوان إلا للحاجة المشروعة ؛ فلا يجوز قتل
الحيوان لغير حاجة مشروعة .
روى الإمام البخاري ( 5515 ) ، والإمام مسلم ( 1958 ) واللفظ له ؛ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : " مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ
نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ
خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا ، فَقَالَ
ابْنُ عُمَرَ : مَنْ فَعَلَ هَذَا ؟ لَعَنْ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا ، إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ
غَرَضًا " .
ثم شرع قتل الحيوان - عند الحاجة إلى ذلك - على أرحم طريقة .
وروى مسلم ( 1955 ) عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ : " قَالَ ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ
الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ،
وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ
فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ).
قال ابن رجب رحمه الله تعالى
:
" والقِتلة والذِّبحة بالكسر ، أي: الهيئة ، والمعنى : أحسنوا هيئة الذبح ، وهيئة
القتل . وهذا يدلّ على وجوب الإسراع في إزهاق النفوس التي يُباح إزهاقها على أسهل
الوجوه . وقد حكى ابنُ حَزمٍ الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة " .
انتهى من " جامع العلوم والحكم " ( 1 / 363 ).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ
أَنْ يَذْبَحُهَا ، وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتَ
شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا ) الحاكم ( 4 / 231 ) وقال : هذا حديث صحيح على
شرط البخاري . ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( 1 /
63 ) .
فالخلاصة أخي الكريم : أن
الانتفاع بما هو مباح من نبات وحيوان وفق الأحكام الشرعية ، لا يخالف الرحمة التي
بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثالثا :
الصائد غير المسلم إذا كان ممن تحل ذبيحته ؛ بأن يكون من أهل الكتاب : ففي هذه
الحالة يباح أكل صيده عند جمهور أهل العلم ، وإذا كان ممن لا تحل ذبيحته ، كالمجوسي
والهندوسي والملحد ونحو هذا ، فهذا لا يباح أكل صيده .
في " الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 28 / 117 – 118 ) :
" أن يكون – أي الصائد - مسلما أو كتابيّا ، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة
والحنابلة ، وقال المالكيّة: لا يحلّ ما صاده الكتابيّ وإن حلّ ما ذبحه ...
وعلى ذلك فلا يحلّ صيد المشرك أو المرتدّ ، ووجه اشتراط هذا الشّرط هو أنّ غير
المسلم لا يخلص ذكر اسم اللّه ، ووجه حلّ صيد وذبائح أهل الكتاب هو قوله تعالى:
( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) .
والمقصود بالكتابيّ : اليهوديّ والنّصرانيّ ، ذمّيّاً كان أو حربيّاً " انتهى
ولمزيد الفائدة طالع الفتوى رقم : ( 106051
) .
وللتعرف على شروط الصيد طالع الفتوى رقم : (
194080 ) .
والحاصل :
أنه لا حرج عليك في الاشتغال بتجارة العطور ، حتى وإن كان بعضها مستخرجا من الحيوان
، على الوجه المأذون فيه شرعا ، وليس في الانتفاع بالنبات أو الحيوان ، على الصفة
الشرعية : ما يخالف جانب الرحمة في شيء .
والله أعلم .