أمها تمنعها من الزواج وتتحكم في حياتها ووالدها ميت ، فماذا تفعل ؟
أنا بنت في سن التاسعة والثلاثين من عمري ، مشكلتي أن أمي ترفض أن أتزوج ، هذا ما جعلني غير متزوجة رغم تقدم كثير من العرسان لي ، أبي متوفى منذ أن كنت صغيرة ، وأنا البنت الوحيدة ، وسط ثلاثة إخوة ، اثنان منهم متزوجان ، تتحكم في حياتي ، ولا أريد أن أعصي لها أمرا ، لا أحد يستطيع مجابهتها ، أفيدوني ماذا أفعل ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا:
لا شك أن محبة الأم لأبنائها أمر مركوز في فطر العباد ، ومن ضرورة ذلك : حرصها
التام على مصلحتهم ، ومن أهم ما يؤرق الأم : زواج ابنتها ، وأن تتيسر لها أفضل
الفرص للعيشة السوية الكريمة .
نعم ، قد لا تحسن بعض الأمهات تقدير ذلك ، والموازنة بين المصالح ، ومراعاة المصلحة
الحقيقية ، قد تنظر إلى اعتبارات لا ينبغي التعويل عليها ، قد .. وقد ..
لكننا نقدر أيضا : أن الزواج حق من حقوقك ، وصاحب الحق أولى من يطالب بحقه ، والشأن
الآن : أن تتفاهمي مع الوالدة بكل صراحة ، وتعرفيها أن الوقت لم يعد في مصلحتك
مطلقا ، وقديما قالت العرب : زوج من عُود ، خير من قعود !!
والله سبحانه وتعالى يقول : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ
فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/32 .
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية : " هذه المخاطبة تدخل في باب الستر والصلاح
أي زوجوا من لا زوج له منكم ، فإنه طريق التعفف ، والخطاب للأولياء .... وقوله (
الأيامى منكم) ، أي الذين لا أزواج لهم من النساء والرجال " انتهى من " الجامع
لأحكام القرآن" (12/239).
ثانيا:
إذا لم تجد محاولاتك نفعا ، فاستعيني بعد الله بالعقلاء من أقاربك ، ممن لهم تأثير
على والدتك ، كأخوالك أو خالاتك أو أعمامك أو عماتك ، أو حتى إخوانك إن كانوا
يستطيعون إقناعها .
فإن لم تحل المشكلة بذلك التفاهم والتواصل مع الوالدة ، وأصرت على تعنتها في أمر
زواجك ؛ فاعلمي أن الله سبحانه وتعالى إنما جعل ولاية المرأة في النكاح : بيد
الرجال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه أبو داود (
2085 ) ، والترمذي (1101 ) وابن ماجه (1881) ، وصححه الألباني في " إرواء الغليل "
(1839).
وولي المرأة هو : أبوها ، ثم أبوه ، ثم ابنها ثم ابنه (هذا إن كان لها ولد) ، ثم
أخوها لأبيها وأمها ، ثم أخوها لأبيها فقط ، ثم أبناؤهما ، ثم الأعمام ، ثم أبناؤهم
، ثم عمومة الأب ، ثم السلطان .
وحيث إن والدك متوفيا ، فإنّ الولاية تنتقل إلى الجد ، فإن كان موجودا فأخبريه
برغبتك في الزواج ، وإن لم يكن موجودا فولايتك عند إخوانك ، فحاولي إقناعهم بهدوء
لرغبتك في الزواج لتكسبي تأييدهم ، وإذا تقدم إليك خاطب كفؤ ، فأخبريهم بموافقتك
على الزواج منه , وإكمال إجراءات الزواج ، حتى ولو غضبت أمك , وليس في ذلك عقوق
لها.
فإن رفض إخوانك ، وسائر عصبتك الذين يمكنك التواصل معهم ، تزويجك من الكفء ؛ فإن
هذا يعتبر عضلا ، حرمه الله عز وجل ، فلا حرج عليك في أن ترفعي أمرك إلى القاضي ،
ليتم زواجك في المحكمة ، بمعرفة القاضي ، وتصرفه ، وهذا أفضل لك من أن تقضي بقية
عمرك بلا زوج ، أو أن يمضي قطار الزواج بعيدا عنك ، وأنت على حالك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه
وخلقه : فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى ، فإن
أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب ، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي ، ويزوج
المرأة الحاكم الشرعي ، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه ، وعلم أن أولياءها قد
امتنعوا عن تزويجها : أن يزوجها ؛ لأن له ولاية عامة ، ما دامت لم تحصل الولاية
الخاصة " انتهى من " فتاوى إسلامية " (3/148).
نسأل الله لك التوفيق والسداد ، وأن ييسر لك أمرك ، وأن يرزقك الزواج ، ويرضي أمك
عنك.
والله أعلم .