هل يشترط التلفظ للثاني حتى يكون في الأجر سواء مع الأول أم أنه يكفى النية ، وإن كان يشترط التلفظ ، فكيف يكون التوفيق بين استخدام ( لو ) ها هنا ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن استخدامها ؟
وهل يلزم أن يكون الاثنان في نفس الزمان ، أم أنه يجوز أن يقول هذا لفعل رجل مات حتى وإن كان من الصحبة - رضى الله عنهم - ؟
الحمد لله.
والحديث يدل على أنه تكفي النية حتى يتحقق هذا الجزاء ، ولكن يشترط لذلك أن يكون عاجزا عن العمل ، فإن كان قادرا على العمل كله أو بعضه : فإنه يفعل ما يستطيع منه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله :
" من نوى الخير وعمل منه مقدوره ، وعجز عن إكماله : كان له أجر عامل " انتهى من "
مجموع الفتاوى " (22/243) .
وقال رحمه الله أيضا :
" الْمُرِيدُ إرَادَةً جَازِمَةً ، مَعَ فِعْلِ الْمَقْدُورِ : هُوَ بِمَنْزِلَةِ
الْعَامِلِ الْكَامِلِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (10/ 731) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" إن الذي لا يقدر على عمل معين ، إما أن يكون لذلك العمل بدل يقدر عليه ، فهذا لا
يثاب على العمل إذا لم يأت ببدله ؛ لأنه لو كان صحيح النية لعمل ذلك البدل ، فعلى
هذا يكون حصول الأجر مشروطا بعدم وجود بدله المقدور عليه ، على أنا نقول : إن من
نفع الناس بماله فله أجران .
الأول : بحسب ما قام بقلبه من محبة الله ، ومحبة ما يقرب إليه ، فهذا الأجر يشركه
فيه الفقير إذا نوى نية صحيحة .
والأجر الثاني : دفع حاجة المدفوع له ، فهذا لا يحصل للفقير ، والله أعلم " انتهى
من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (7/244) .
وأما قوله : ( فهما في الأجر سواءٌ ) فحمله بعض العلماء على أن المراد استواؤهما في أصلِ أجرِ العمل ، دون مضاعفته . فالعامل تضاعف له الحسنة بعشر أمثالها أو أكثر ، أما الناوي فقط فيكتب له الثوب بلا مضاعفة .
قال ابن رجب رحمه الله :
" وقد حمل قوله : ( فهما في الأجر سواءٌ ) على استوائهما في أصلِ أجرِ العمل ، دون
مضاعفته ، فالمضاعفةُ يختصُّ بها من عَمِلَ العمل دونَ من نواه فلم يعمله ،
فإنَّهما لو استويا مِنْ كلِّ وجه ، لكُتِبَ لمن همَّ بحسنةٍ ولم يعملها عشرُ
حسناتٍ ، وهو خلافُ النُّصوصِ كلِّها ، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى : ( فَضَّلَ
اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ
دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى
الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) ، قال ابن عباس وغيره : القاعدون المفضَّلُ عليهم
المجاهدون درجة : همُ القاعدون من أهلِ الأعذار ، والقاعدون المفضَّل عليهم
المجاهدون درجاتٍ : هم القاعدون من غير أهل الأعذار " انتهى من " جامع العلوم
والحكم " (2/321) .
وقال السندي رحمه الله في "
حاشيته على ابن ماجه " :
" وَالْمُرَاد يُؤْجَر عَلَى نِيَّة الْخَيْر ، فَهُوَ فِي أَصْل الْأَجْر أَيْضًا
مُسَاوٍ لِلْمُنْفِقِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُنْفِقِ زِيَادَة ، فَإِنَّ مَنْ نَوَى
حَسَنَة يُكْتَب لَهُ وَاحِدَة ، وَإِذَا فَعَلَهَا فَعَشْرَة " انتهى .
ثانيا :
" لو " هنا للتمني ، وليست للتندم والتحسر ، فتختلف عنها في قول العبد : " لو أني
فعلت كذا لكان كذا " فإنها هنا تفتح عمل الشيطان ، أما التي هي للتمني ، فبحسب
الأمنية ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
وكلمة " لو " تستعمل عدة استعمالات ، بعضها جائز وبعضها غير جائز ، ولهذا ترجم
الإمام البخاري رحمه الله : باب ما يجوز من " اللو " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" لو " تستعمل على عدة أوجه :
الوجه الأول : أن تستعمل في الاعتراض على الشرع ، وهذا محرم .
الثاني : أن تستعمل في الاعتراض على القدر ، وهذا محرم .
الثالث : أن تستعمل للندم والتحسر ، وهذا محرم أيضا ؛ لأن كل شيء يفتح الندم عليك ،
فإنه منهي عنه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا
تعجز ، وإن أصابك شيء ، فلا تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا ؛ فإن لو تفتح عمل
الشيطان ) .
الرابع : أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر على المعصية، كقول المشركين : ( لو شاء الله
ما أشركنا) الأنعام/148 ، وهذا باطل .
الخامس : أن تستعمل في التمني ، وحكمه حسب المتمني : إن كان خيرا فخير ، وإن كان
شرا فشر ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة النفر الأربعة قال أحدهم
: ( لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان ) ، فهذا تمنى خيرا ، وقال الثاني : ( لو أن لي
مالا لعملت بعمل فلان ) ، فهذا تمنى شرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الأول
: (فهو بنيته ، فأجرهما سواء ) ، وقال في الثاني : ( فهو بنيته ، فوزرهما سواء ) .
السادس : أن تستعمل في الخبر المحض ، وهذا جائز ، مثل : لو حضرت الدرس لاستفدت ،
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي
ولأحللت معكم ) " انتهى باختصار من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (10/ 948-949) .
ثالثا :
لا يلزم أن يكون الاثنان في نفس الزمان ، ولكن يشترط أن يكون الفعل ممكنا بالنسبة
له ، وهذا كعموم الأفعال الصالحة الممكنة في كل زمان ، كالصدقة ، وطلب العلم ،
والجهاد في سبيل الله ، ونحو ذلك ، أما صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، والجهاد
معه مثلا ، فلا يمكن ، ولا يقدر أن يأتي منه بشيء ، فمثل هذا لا ينطبق عليه الحديث
، وإنما هو حديث نفس صالح .
وينظر للفائدة إلى إجابة السؤال رقم : (11010) ، وإجابة سؤال رقم : (99324) ، وإجابة سؤال رقم : (127714) .
والله أعلم .