الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

الذي يتمنى الشهادة : هل ينال كرامة الشهيد ؟!

127714

تاريخ النشر : 28-02-2009

المشاهدات : 94769

السؤال

هل الذي يتمنى الشهادة بصدق ولم ينلها يعطى كرامات شهيد الحرب ، كالتشفيع ، وتزويجه 72 من الحور العين ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

في هذه المسألة التفصيل الآتي :

1- من كان يجاهد في سبيل الله صادقا محتسبا ، ويشارك في قتال الأعداء ، ويرجو مِن الله أن يكتب له الشهادة ، ولكن مع ذلك لم ينلها حقيقة ، فمثله يكتب الله له أجر الشهيد كاملا غير منقوص .

2- ومن اتخذ الأسباب التي يملكها لنيل الشهادة ، وسعى للمشاركة في الجهاد في سبيل الله، وسبق ذلك عزيمةٌ صادقةٌ ، وسأل الله بإخلاص أن يكتب له هذه المرتبة ، غير أنه حيل بينه وبين المشاركة الفعلية في الجهاد : فهذا يكتب الله له أجر الشهيد ، ويعطيه مِن سعة فضله سبحانه ما يبلغ به أجر الشهداء .

3- وأما من نوى الجهاد في سبيل الله نية مجردة عن اتخاذ الأسباب والسعي التام لنيل الشهادة، فهذا له أجر نيته فقط ، وليس له أجر الشهيد الذي قُتل في المعركة .

وقد ورد في السنة ما يدل على ما ذكرناه من أن من عزم على الجهاد عزما صادقا ، وطلب الشهادة ، أعطي كرامتها :

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ ) رواه مسلم (1908)،

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) رواه مسلم (1909)

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( َمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ )

رواه أبو داود (2541) والترمذي (1653) وقال حسن صحيح . وصححه ابن دقيق العيد في " الاقتراح " (ص/123) والألباني في " صحيح أبي داود ".

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" معنى الرواية الأولى مفسَّرٌ من الرواية الثانية ، ومعناهما جميعا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه ، وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير " انتهى. " شرح مسلم " (13/55)

وقد أخرج الحديث ابن حبان في " صحيحه " (7/464) وبوب عليه بقوله :

" ذكر تفضل الله جل وعلا على سائله الشهادة من قلبه بإعطائه أجر الشهيد وإن مات على فراشه " انتهى.

يقول ابن القيم رحمه الله :

" بل هذا النوع منقسم إلى :

1- معذور من أهل الجهاد ، غلبه عذره ، وأقعده عنه ، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها ، وإنما أقعده العجز ، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد ، وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية ، وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام ، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا : هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه )

وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبى كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأحسن المنازل ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، وهما في الأجر سواءٌ ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً ، فهو لا يتقى في ماله ربه ، ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأسوأ المنازل عند الله ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان ، فهو بنيته ، وهما في الوزر سواءٌ )

فأخبر صلى الله عليه وسلم أن وزر الفاعل والناوي الذي ليس مقدوره إلا بقوله دون فعله سواءٌ ؛ لأنه أتى بالنية ومقدورِه التام ، وكذلك أجر الفاعل والناوي الذي اقترن قوله بنيته. وكذلك المقتول الذي سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل ، نزل منزلة القاتل لنيته التامة التي اقترن بها مقدورها من السعي والحركة .

ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) ، فإن بدلالته ونيته نزل منزلة الفاعل .

ومثل هذا من كان له وِردٌ يُصَلِّيه من الليل فنام ، ومن نيته أن يقوم إليه فغلب عينه نوم كتب له أجر ورده ، وكان نومه عليه صدقة ، ومثله المريض والمسافر إذا كان له عمل يعمله فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم ، ومثله : ( من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداءِ ولو مات على فراشه ) ونظائر ذلك كثيرة.

2- والقسم الثاني : معذور ليس من نيته الجهاد ، ولا هو عازم عليه عزماً تاماً ، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله ، بل قد فضَّل الله المجاهدين عليه وإن كان معذوراً ؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول " انتهى من" طريق الهجرتين " (ص/359)

فالخلاصة أن من نوى الجهاد ، وسعى إليه ، وبذل أسبابه ، وسأل الله الشهادة بصدق ، كتب الله له أجر شهيد .

ثانيا :

ومع ذلك ننبه هنا إلى أنه ليس المقصود أن الله يكتب لمن سأل الشهادة بصدق جميع ما للشهيد الذي قتل في المعركة من الأجر والكرامة ؛ وإنما يكتب له قدر أجر الشهادة مجردة عن كل أجور الأعمال المقترنة بالعمل الجهادي من تعب ونصب وجراح وبذل مال ونحو ذلك ، فالشهيد وسائل الشهادة بصدق يستويان في أصل الأجر وليس في نوعه ومتعلقاته .

يقول الإمام النووي رحمه الله :

" واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام : أحدها : المقتول في حرب بسبب من أسباب القتال ، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا ، وهو أنه لا يغسَّل ولا يصلَّى عليه .

والثاني : شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا ، وهو المبطون , والمطعون , وصاحب الهدم , ومن قتل دون ماله , وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً ، فهذا يغسَّل ويصلَّى عليه وله في الآخرة ثواب الشهداء , ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول .

والثالث : من غل في الغنيمة ، وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً ، إذا قتل في حرب الكفار ، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل , ولا يصلَّى عليه , وليس له ثوابهم الكامل في الآخرة " انتهى.

" شرح مسلم " (2/164)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" والذي يظهر أن المذكورين - في الشهداء خمسة وغيرهم - ليسوا في المرتبة سواء ، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر ، والدارمي وأحمد والطحاوي من حديث عبد الله بن جحش ، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، سئل أي الجهاد أفضل ؟ قال : من عقر جواده وأهريق دمه .

وروى الحسن بن علي الحلواني في ( كتاب المعرفة ) له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب قال : " كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد ، غير أن الشهادة تتفاضل " انتهى.

"فتح الباري" (6/44)

ويقول المناوي رحمه الله :

" ( وإن مات على فراشه ) لأن كلا منهما نوى خيرا وفعل ما يقدر عليه ، فاستويا في أصل الأجر ، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة : استواؤهما في كيفيته وتفاصيله ، إذ الأجر على العمل ونيته يزيد على مجرد النية ، فمن نوى الحج ولا مال له يحج به يثاب دون ثواب من باشر أعماله ، ولا ريب أن الحاصل للمقتول من ثواب الشهادة تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه ، وإن بلغ منزلة الشهيد ، فهما وإن استويا في الأجر لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرا زائدا وقربا خاصا ، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء ، فعلم من التقرير أنه لا حاجة لتأويل البعض وتكلفه بتقدير "مِنْ" بَعد قوله : ( بلغه الله ) ، فأعط ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم حقها ، وأنزلها منازلها ، يتبين لك المراد " انتهى.

" فيض القدير " (6/186)

وبناء عليه فالفضل الوارد في حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)

رواه الترمذي (حديث رقم/1663) وقال : حسن صحيح غريب .

يظهر أن هذه الفضائل إنما تكتب لشهيد المعركة ، بدليل قوله : ( يغفر له في أول دفعة )، يعني من دمه ، فنال هذه الخصال الستة بسبب ما أريق من دمه في سبيل الله ، فلا ينال هذه الخصال غيره وإن نال أجر الشهادة الأصلي .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب