قسَّم الوالدان مالهما بين أولادهما وحرما البنات بحجة أنهما جهزاهن في الزواج
إذا قام الأب والأم بتقسيم ممتلكاتهم أثناء حياتهم بين الأبناء من الذكور فقط ، مع العلم أنهم أنفقوا الكثير على زواج بناتهم ، وتكفلوا بجهاز زواجهن ، لكن دون أن يعطوهن أية نقود .
فهل تجوز هذه القسمة باعتبار هذه الظروف حتى لو لم تكن القسمة بين الأبناء الذكور بالتساوي فيما بينهم ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
أوجبت الشريعة المباركة العدل بين الأولاد , فقد أخرج البخاري (2586) ، ومسلم
(1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه : " أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي
نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا ، فَقَالَ : ( أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ
؟ ) ، قَالَ لَا ، قَالَ : ( فَارْجِعْهُ ( ، ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته
غلاما . ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ : " سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ
بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَعْطَانِي
أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ( يعني : أمه ) لَا أَرْضَى
حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ
ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ ) ،
قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ )
قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ ." وفي رواية للبخاري أيضا (2650) : ( لا
تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ ) .
ثانيا :
إذا جرى العرف في بلادكم بأن الأب ملزم بأن يشارك مع الزوج في تجهيز ابنته - كما هو
الحال في كثير من البلدان - فإن ما يدفعه الأب حينئذ يكون من قبيل النفقة وليس من
قبيل الهبة , فلا يكون ملزما بالعدل في ذلك بين أولاده , فقد سئل علماء اللجنة
الدائمة , س : رزقني الله بعدد من الأولاد أصلحهم الله وبارك فيهم ، منهم من تخرج
وتزوج وتوظف ، ومنهم من لم يتزوج بعد ، فهل إذا قمت بمساعدة الذين لم يتزوجوا على
الزواج دون من تم زواجهم يكون في ذلك حرج ؟ أفتوني جزاكم الله خيرا وضاعف مثوبتكم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج : " يجب عليك أن تزوج من احتاج إلى الزواج من أبنائك إذا كان لا يقدر على الزواج
من ماله ، وأنت قادر على ذلك ، وتقوم بتكاليف زواجه ، ولا تدفع للأبناء المتزوجين
والذين يقدرون على الزواج بأموالهم مثل ما دفعت في تزويج هذا الابن المحتاج ؛ لأن
هذا يعتبر من الإنفاق الواجب ، وليس هو من العطية التي تجب فيها التسوية بين
الأولاد " .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة - 1 " (16 / 226).
فإن كان العرف في بلادكم أن الأب ملزم بتجهيز ابنته , ولم يكن للبنات مال مملوك لهن
يتجهزن به , فإن ما دفعه ذلك الأب في تجهيز بناته يعتبر من النفقة الواجبة التي لا
يجب العدل فيها بين الأولاد , فيعطي باقي أولاده مثل هذه النفقة ، لكن الواجب عليه
: أن يزوج من احتاج منهم للزواج ، كما زوج هذه ، وعلى ذلك فالواجب عليه أن يعيد
تقسيم ماله بين الجميع على وفق التقسيم الشرعي .
ثالثا :
يجب على الأم أن تعدل بين أولادها في الهبة شانها في ذلك شأن الأب , وقد سبق بيان
ذلك في الفتوى رقم : (67652)
وما تدفعه الأم في تجهيز بناتها فإنه على كل حال يكون من قبيل الهبة ؛ سواء كان
الزوج هو الملزم بتجهيز مسكن الزوجية أو ألزم العرف مشاركة أهل الزوجة في التجهيز ؛
لأن الأم لا تجب عليها النفقة وإنما يطالب بها الأب .
وعلى ذلك فالواجب على الأم أن تعدل بين أولادها جميعا ؛ فإن كانت تهب بعضهم هبة
مطلقة ، وجب عليها أن تسوي بين الجميع في ذلك . وإن كانت تهب بعضهم لأجل ظروف تقتضي
إعطاءه ، كفقر أو مرض ونحو ذلك , فإنها حينئذ لا تكون ملزمة بإعطاء الباقين الذين
لا يحتاجون , وإنما العدل أن تعطي من احتاج منهم ، بعد ذلك ، كما أعطت هذا .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (36872).
ومن ذلك ما إذا كان الأب غير قادر على المشاركة في تجهيز ابنته , فاضطرت الأم إلى
المشاركة في تجهيز ابنتها لكون العرف يلزم أهل البنت بهذه المشاركة فإنها حينئذ لا
تكون ملزمة بالهبة للباقين الذين لا يحتاجون.
رابعا :
سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم : (164375) ,
أنه يجوز للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته في حياته وصحته ، بشرط ألا يقصد الإضرار
ببعض الورثة ، فيمنع بعضهم ، أو يعطيهم دون حقهم إضراراً بهم . ويعتبر هذا هبة منه
لأولاده ، ويلزمه العدل بينهم ، فيعطي الذكر ضعف الأنثى .
والله أعلم.