الحمد لله.
وقال الإمام مالك رحمه الله
:
" إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، أُخْطِئُ وَأُصِيبُ ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي ،
فَكُلَّمَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ , وَكُلَّمَا لَمْ
يُوَافِقِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَاتْرُكُوهُ " انتهى من " جامع بيان العلم
وفضله " (1/ 775) .
وقال الإمام الشافعي رحمه
الله :
" مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَتَذْهَبُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْزُبُ عَنْهُ، فَمَهْمَا قُلْت مِنْ قَوْلٍ أَوْ
أَصَّلْت مِنْ أَصْلٍ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - خِلَاف مَا قُلْت فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ قَوْلِي " وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَا
الْكَلَامَ " . انتهى من " إعلام الموقعين " (2/ 204) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله
:
" ليس أحد إلا ويؤخذ من رأيه ، ويترك ، يعني : ما خلا النبي صلى الله عليه وسلم "
انتهى من " مسائل الإمام أحمد " رواية أبي داود (ص 368) .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه
الله :
" الواجب عَلَى كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه : أن بيينه للأمة
وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره ، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة ، فإن أمر الرسول
-صلى الله عليه وسلم- أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي معظم ، قد خالف أمره في بعض
الأشياء خطأ .
ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم من العُلَمَاء عَلَى كل من خالف سنة صحيحة ، وربما
أغلظوا في الرد ، لا بغضًا له ؛ بل هو محبوب عندهم ، معظم في نفوسهم ؛ لكن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - أَحَبّ إليهم ، وأمره فوق أمر كل مخلوق .
فَإِذَا تعارض أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر غيره فأمر الرسول -صلى الله
عليه وسلم- أولى أن يقدم ويتبع ، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره ، وإن كان
مغفورًا له ؛ بل ذلك المخالف المغفور له : لا يكره أن يخالَف أمرُه إذا ظهر أمر
الرسول -صلى الله عليه وسلم- بخلافه ؛ بل يرضى بمخالفة أمره ومتابعة أمر رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- إذا ظهر أمره بخلافه " انتهى من " مجموع رسائل ابن رجب " (1/
245) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَبِيبٌ إِلَيْنَا- يعني الهروي رحمه الله - وَالْحَقُّ
أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ . وَكُلُّ مَنْ عَدَا الْمَعْصُومِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَتْرُوكٌ " انتهى من " مدارج
السالكين " (2/ 38) .
ثانيا :
هذا الذي سبق ذكره : أمر مقرر ، لا تكاد تجد عاقلا منصفا يخالف فيه ؛ لكن السؤال
الأهم ، والأمر الحقيق بالنظر والتأمل : من هذا الذي يبين خطأ من أخطأ من أهل العلم
، ويرده عليه ، ويبين وجه الصواب فيما ذهب إليه ؟
من الذي يمكنه أن يقول : قول الإمام الشافعي أصح من قول الإمام مالك ؟
أو قول الحنابلة أرجح من قول غيرهم ؟
أو قول فلان العالم خطأ ؟
لا يصح لأحد أن يسلك هذا السبيل إلا إذا كان على بينة تامة من أمره ، فإما أن يكون
عالما مجتهدا مشهودا له بالعلم والفضل والأمانة ، أو يكون طالب علم مجيد قد اجتهد
في مسألة ، وجمع فيها الأدلة وكلام أهل العلم حتى ترجح لديه بالدليل قول دون قول .
أما رجل مبتدئ في طلب العلم
، أو واعظ أو خطيب ظن من نفسه أنه يحسن الخوض في مسائل الخلاف والترجيح فيها ، أو
عامي من عوام المسلمين : فمثل هؤلاء لا يجوز لهم تخطئة العالم ، كما لا يجوز لهم
النظر في مسائل الخلاف ، فضلا عن الترجيح ، وإنما المشروع في حقهم هو التقليد
والإتباع .
اللهم إلا أن يحكي أحدهم قول العالم في الترجيح أو التخطئة .
ومجرد وجود خلاف بين العلماء لا يسمح لكل أحد أن يرجح أو يختار ، فلا يجتهد ولا يرجح إلا من تأهل لهذا المقام ، على ما سبق ذكره .
وانتشار الكتب اليوم ،
وسهولة الاطلاع عليها لا يكفي في هذا ؛ لأن العلم والفقه مَلَكة في النفس ، وتأهُّل
باكتمال أداوت ذلك النظر ، وشرائطه ؛ ولا يمكن إدراك ذلك بمجرد النظر في الكتب
والاطلاع فيها على مسائل الخلاف .
فالعالم يجتهد ويرجح ، وطالب العلم يذاكر ويدرس وينظر ويسأل ويتوخى الحذر ،
والمبتدئ والعامي : يسأل ويقلد .
فعلى كل مسلم أن يحتاط لدينه ، وألا يتكلم في الدين بغير علم ، وألا يجترئ على
تخطئة عالم وتصويب قول غيره إلا ببينة ظاهرة ودليل واضح .
وقد قيل : " الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ : أَمْرٌ تَبَيَّنَ لَكَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعْهُ ،
وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ لَكَ زَيْغُهُ فَاجْتَنِبْهُ ، وَأَمْرٌ اخْتُلِفَ فِيهِ ،
فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ " .
انظر : " جامع بيان العلم وفضله " (1/ 754) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (22652)
.
والله تعالى أعلم .