هل جلسة الشروق يجب أن يكون فيها ذكر لله طول الوقت ؟ وهل يجب أن أظل في المصلى ؟ وهل يجب أن أنتظر حتى أصلي الضحى ؟ أي : إذا سقط أحد هذه الأمور لا تعد جلسة شروق بحجة وعمرة أم لا ؟
الحمد لله.
أولاً :
جاء في فضل الجلوس للذكر بعد الفجر ، ما رواه الترمذي (586) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ) ، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .
قال الشيخ محمد محمد المختار الشنقيطي حفظه الله : " وهذا الفضل له شروط :
أولها : أن يصلي الفجر في جماعة ، فلا يشمل من صلى منفرداً ، وظاهر الجماعة يشمل جماعة المسجد وجماعة السفر وجماعة الأهل إن تخلف لعذر ، كأن يصلي بأبنائه في البيت ، فيجلس في مصلاه .
ثانياً : أن يجلس يذكر الله ، فإن نام لم يحصل له هذا الفضل ، وهكذا لو جلس خاملاً ينعس ، فإنه لا يحصل له هذا الفضل ، إنما يجلس تالياً للقرآن ذاكراً للرحمن ، أو يستغفر ، أو يقرأ في كتب العلم ، أو يذاكر في العلم ، أو يفتي ، أو يجيب عن المسائل ، أو ينصح غيره ، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإن جلس لغيبة أو نميمة لم يحز هذا الفضل ؛ لأنه إنما قال : ( يذكر الله ) .
الأمر الثالث : أن يكون في مصلاه ، فلو تحول عن المصلى ولو قام يأتي بالمصحف ، فلا يحصل له هذا الفضل ؛ لأنه فضلٌ عظيم ، وهو حجةٌ وعمرة تامة تامة ، فهذا فضل عظيم ... ، وتحصيل الفضل العظيم يكون أكثر عناءً وأكثر نصباً ، فيحتاج إلى أن يتكلف العبد في إصابة ظاهر هذه السنة ، فيجلس حتى تطلع الشمس ، ثم يصلي ركعتين ". انتهى من "شرح زاد المستقنع للشنقيطي" .
وقد سبق في جواب السؤال رقم : (109794) أن الراجح أنه لا يشترط بقاء المصلي في المكان الذي صلى فيه ، فما دام في المسجد يذكر الله تعالى ، فإنه يرجى له حصول ذلك الثواب .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (129080) .
ثانياً :
من شرط تحصيل الثواب الوارد في الحديث ، أن يشتغل الجالس في ذلك الوقت بالذكر ، والمقصود بذلك غالب وقته ، وإلا قد يعرض للشخص ما يكون سببا في قطع ذكره ، ويستحب له في تلك الحال أن يقطع الذكر ، كأن يقطع الذكر لرد السلام ، أو لتشميت العاطس ، أو أن يخرج من المسجد لكي يتوضأ ، فهذا كله وغيره لا يحصل به تفويت الفضل الوارد ؛ لكون الانقطاع عن الذكر لعذر .
قال النووي رحمه الله في " الأذكار " (ص/46) : " فصل في أحوال تَعْرِضُ للذاكر يُستحب له قطعُ الذكر بسببها ، ثم يعودُ إليه بعد زوالها ، منها : إذا سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر ، وكذا إذا عطس عنده عاطسٌ شَمَّتهُ ثم عادَ إلى الذكر " انتهى .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية " (6/150) : " من جلس في مصلاه بعد أداء صلاة الفجر يذكر الله حتى طلعت الشمس ثم أحدث فخرج من المسجد ليتوضأ ثم رجع بعد وضوئه لمصلاه من قريب ولم يطل مكثه خارج المسجد فصلى ركعتين بعد ارتفاع الشمس قدر رمح ، فإن خروجه ذلك لا يؤثر ولا يمنع من حصوله على الثواب العظيم المترتب على تلك العبادة إن شاء الله تعالى وهو إدراك حجة وعمرة تامتين والفوز بجنته " انتهى .
تنبيه :
أصل الحديث الوارد في ذلك : اختلف العلماء في تصحيحه ـ أو تحسينه ـ ، وتضعيفه ، وذلك أن إسناد الحديث في الترمذي ضعيف ؛ فيه : أبو ظِلال ، هلال بن أبي هلال ، الجمهور على تضعيفه ، وحتى الإمام البخاري ، وقد قوى حاله ، إنما قال فيه : مقارب الحديث ، ومثل هذا لا يحتمل تفرده بمثل ذلك .
ويظر للفائدة :
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=58382
و:
http://www.saaid.net/leqa/7.htm
على أن من اختار ضعف الحديث ، لا يقول إنه لا يشرع الجلوس بعد صلاة الصبح ، حتى تطلع الشمس ؛ بل إنما ينفي صحة اللفظ المعين المذكور في فضل ذلك ، وأما أصل هذا العمل ، فهو ثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، دون ذكر فضل خاص له .
وهكذا ثبت استحباب الجلوس في المسجد بعد الصلوات مطلقا ، ويتأكد ذلك ، إذا كان يجلس انتظارا لصلاة أخرى .
وينظر جواب السؤال رقم : (100009)، ورقم : (95782).
والله أعلم .