الحمد لله.
وقد دل على هذا عدة أحاديث
أُخذ منها هذا الحكم ، وإن كانت لم ترد بالنص الصريح على اشتراط الحرز .
فمن هذه الأحاديث :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛
أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ ؟ فَقَالَ : ( مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ
مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ خَرَجَ
بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ، وَمَنْ سَرَقَ
مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ
فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (1710) ، وَالنَّسَائِيُّ (4958)
، وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود " .
(الْجَرِينُ) هو الموضع الذي يجمع فيه التمر للتجفيف .
ففرَّق الرسول صلى الله عليه
وسلم بين من أخذ من التمر وهو على الشجر ومن أخذ منه بعد نقله إلى الجرين ، فالأول
لا قطع عليه ، وإنما يعزر ، والثاني عليه القطع ، والفرق بينهما : أن الأول أخذ
التمر من غير حرز ، والثاني أخذه من الحرز ، وقد جاءت أحاديث أخرى بهذا المعنى .
جاء في " عون المعبود شرح
سنن أبي داود " :
" (غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة ) أَيْ : لَا يَأْخُذ مِنْهُ فِي ثَوْبه .
( فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ) لَمْ يُفَسِّر الْعُقُوبَة فِي
هَذِهِ الرِّوَايَة ، لَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَات أُخْرَى تَفْسِيرهَا ، فَفِي
رِوَايَة أَحْمَد (6645) : ( وَمَنْ اِحْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنه مَرَّتَيْنِ
وَضَرْب نَكَال ) .
قَالَ الطِّيبِيّ : فَإِنْ قُلْت : كَيْف طَابَقَ هَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَاله عَنْ
التَّمْر الْمُعَلَّق فَإِنَّهُ سُئِلَ : هَلْ يُقْطَع فِي سَرِقَة التَّمْر
الْمُعَلَّق ؟ وَكَانَ ظَاهِر الْجَوَاب أَنْ يُقَال : لَا ، فَلِمَ أَطْنَبَ
ذَلِكَ الْإِطْنَاب ؟ قُلْت : لِيُجِيبَ عَنْهُ مُعَلِّلًا ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لَا
يُقْطَع ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْرَق مِنْ الْحِرْز ، وَهُوَ أَنْ يُؤْوِيَهُ
الْجَرِين " انتهى .
وقال الصنعاني رحمه الله في " سبل السلام " (2/437) : " أُخِذَ مِنْهُ اِشْتِرَاط الْحِرْز فِي وُجُوب الْقَطْع ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَعْد أَنْ يَأْوِيه الْجَرِين ) " اِنْتَهَى .
وقال القرطبي رحمه الله في "
المفهم " (16/1) :
" تنبيه : آيةُ السَّرقة وردت عامة مطلقة ، لكنها مخصَّصة مقيَّدة عند كافة العلماء
؛ إذ قد خرج من عموم السَّارق من سرق أقل من نصاب ، وغير ذلك . وتقيَّدت باشتراط
الحِرز ، فلا قطع على من سرق شيئًا من غير حرز بالإجماع ، إلا ما شذَّ فيه الحسن ،
وأهل الظاهر ، فلم يشترطوا الحِرز" انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله
في " التمهيد " (23/312) :
" هذا الحديث أصل عند جمهور أهل العلم في مراعاة الحرز واعتباره في القطع ...
قال أبو عبيد : الثمر المعلق هو الذي في رؤوس النخل لم يُجَذْ ولم يحرز في الجرين "
انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (28/331-332) :
" وَلَا يَكُونُ السَّارِقُ سَارِقًا حَتَّى يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ حِرْزٍ .
فَأَمَّا الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ صَاحِبِهِ وَالثَّمَرُ الَّذِي يَكُونُ فِي
الشَّجَرِ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا حَائِطٍ ، وَالْمَاشِيَةُ الَّتِي لَا رَاعِيَ
عِنْدَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ ، لَكِنْ يُعَزَّرُ الْآخِذُ
وَيُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْغُرْمُ ، كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ " انتهى .
وقال ابن رشد رحمه الله في "
بداية المجتهد " (2/368) :
" وأما الشرط الثاني في وجوب هذا الحد فهو الحرز ، وذلك أن جميع فقهاء الأمصار
الذين تدور عليهم الفتوى وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع ، وإن كان
قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز .
والأشبه أن يقال في حد الحرز : إنه ما شأنه أن تحفظ به الأموال كي يعسر أخذها مثل
الأغلاق والحظائر وما أشبه ذلك " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله في
" المغني " (12/426) :
" الشَّرْطُ الرَّابِعُ : أَنْ يَسْرِقَ مِنْ حِرْزٍ ، وَيُخْرِجَهُ مِنْهُ .
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ ، وَالشَّعْبِيِّ ، وَأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ ،
وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ،
وَالثَّوْرِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ .
وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافَهُمْ ، إلَّا قَوْلًا
حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَالْحَسَنِ ، وَالنَّخَعِيِّ ، فِيمَنْ جَمَعَ الْمَتَاعَ
، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ ، عَلَيْهِ الْقَطْعُ .
وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ .
وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا
تَفْصِيلَ فِيهَا .
وَهَذِهِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ ، غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَلَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ ثَابِتٌ ، وَلَا مَقَالٌ لِأَهْلِ
الْعِلْمِ ، إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ ، وَالْإِجْمَاعُ
حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ .... ثم ذكر الحديث المتقدم . ثم قال :
وَهَذَا الْخَبَرُ يَخُصُّ الْآيَةَ ، كَمَا خَصَّصْنَاهَا فِي اعْتِبَارِ
النِّصَابِ " انتهى .
وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (101781) ففيها الشروط الواجب توافرها حتى تقطع يد السارق .
والله أعلم .