الحمد لله.
وإذا سترت المرأة المحرمة
وجهها بخمارها ، أو جلبابها ، أو بغير ذلك : فإنه لا يلزمها أن تباعد بين الخمار
ووجهها ، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على إلزامها بذلك ، بل
فعلُ النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه هذا غير لازم .
قالت عائشة رضي الله عنها قالت : " كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ ، فَإِذَا
حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا ،
فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
ومعلوم أن الجلباب الذي يسدل من الرأس على الوجه : لا بد أن يمس الوجه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (26/112-113) :
"وَلَوْ غَطَّتْ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا بِشَيْءِ لَا يَمَسُّ الْوَجْهَ : جَازَ
بِالِاتِّفَاقِ .
وَإِنْ كَانَ يَمَسُّهُ : فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا ، وَلَا تُكَلَّفُ
الْمَرْأَةُ أَنْ تُجَافِيَ سُتْرَتَهَا عَنْ الْوَجْهِ ، لَا بِعُودِ وَلَا بِيَدِ
وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَوَّى بَيْنَ وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا ، وَكِلَاهُمَا كَبَدَنِ الرَّجُلِ لَا
كَرَأْسِهِ . وَأَزْوَاجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يُسْدِلْنَ
عَلَى وُجُوهِهِنَّ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ الْمُجَافَاةِ " انتهى .
والفرق بين بدن الرجل ورأسه
في الإحرام : أن الرجل نُهي عن تغطية الرأس بأي شيء ملاصق للرأس ، سواء كان ذلك
الشيء معتادا أم غير معتاد . أما البدن فلم يُنْهَ عن تغطيته ، وإنما نُهي عن
اللباس المفصل على قدر البدن .
وقال ابن القيم رحمه الله :
"وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( كنا إذ مر عنها الركبان سدلت إحدانا
الجلباب على وجهها ) ولم تكن إحداهن تتخذ عودا تجعله بين وجهها وبين الجلباب كما
قاله بعض الفقهاء ، ولا يعرف هذا عن امرأة من نساء الصحابة ولا أمهات المؤمنين
البتة ، لا عملا ولا فتوى ، ومستحيل أن يكون هذا من شعار الإحرام ولا يكون ظاهرا
مشهورا بينهن يعرفه الخاص والعام" انتهى من " بدائع الفوائد " (2/664-665) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن
باز رحمه الله :
"ويباح للمرأة المحرمة سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك بلا عصابة [ أي :
بلا شيء يرفعه عن وجهها] ، وإن مس الخمار وجهها فلا شيء عليها ؛ لحديث عائشة رضي
الله عنها قالت : (كان الركبان يمرون بنا ... وذكر الحديث المتقدم" .
انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " (16/54-55).
وقال أيضا في : (16/56) :
"وأما ما اعتاده كثير من النساء من جعل العصابة تحت الخمار لترفعه عن وجهها : فلا
أصل له في الشرع فيما نعلم ، ولو كان ذلك مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم
لأمته ولم يجز له السكوت عنه" انتهى .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"وليس على المرأة حرج فيما لو مس حجابها وجهها، خلافاً لقول بعض أهل العلم الذين
يقولون: لابد أن يكون الحجاب غير مماس لوجهها ، لأن هذا الشرط ليس له دليل من
الكتاب أو السنة" انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (22/184) .
والله أعلم .