أنا فتاة عمري 21 سنة ، كنت أعلم أن اللباس الشرعي هو تغطية كل الجسم ما عدا الوجه والكفين ، وكنت أعلم أن النقاب فضيلة أو مستحب فقط ، مؤخراً علمت أنه يوجد رأي قوي بوجوب تغطية الوجه والكفين ، وقرأت فتاوي كثيرة لعلماء كثيرين أثق فيهم لكنهم مختلفون في الفتوى ، ولا أستطيع أن أحكم من علمه أقوى.
وقلت لنفسي : أن أتأنى في اتخاذ قراري ، وأقرأ كتابا لمن يجيز الكشف ، فاخترت كتاب الألباني " جلباب المرأة المسلمة " ، وكتابا لمن يوجب التغطية فاخترت كتاب " عودة الحجاب " .
ولأني طالبة في الجامعة لا يوجد لدي وقت فراغ طويل لأنجز الكتابين بوقت سريع ، وأتخذ قراري ، أنا أعلم أن التغطية لا شك أستر وأفضل ؛ لأن من يجيز الكشف يستحب التغطية ، لكنّي أفكر في التأني باتخاذ القرار حتى أكون مقتنعة بالوجوب عندما أرتديه .
أود أن أسأل ما حكم التأني وعدم الاستعجال ما دمت لم أستطع الترجيح من هو الأصوب الجواز أم الوجوب ؟
إذا قرأت الكتب وتوسعت أكثر وبقيت محتارة في الحكم هل هو واجب أم مستحب هل يمكنني الأخذ بالأيسر وتأجيل ارتداءه مثلاً لما بعد الزواج ؟
الحمد لله.
لقد أخطأت الطريق منذ البداية .
فليس من شأن عامة الناس – ويُعنى بهم غير المتخصصين في العلوم الشرعية مهما بلغت
ثقافتهم ودرجاتهم العلمية – ليس من شأنهم النظر في مسائل الخلاف وأدلة المختلفين
للترجيح بينها واختيار القول الأقرب للصواب ، بل هذا من عمل المجتهدين والعلماء
المحققين ، أو طلبة العلم الذين قطعوا شوطا كبيرا في طلب العلم .
وإنما شأن الإنسان العامي أو طالب العلم غير المتمكن أن يستفتي من يثق بدينه وعلمه
، ثم يعمل بقوله ، سواء أفتى له بالرخصة أم العزيمة .
وكان يسعك أن تستفتي عالماً تثقين بعلمه ودينه وتقواه ، وتعملين بقوله ، وبهذا تبرأ
ذمتك أمام الله .
قال الحافظ الذهبي : " مَنْ بَلَغَ رُتْبَة الاجْتِهَاد، ، وَشَهِد لَهُ بِذَلِكَ
عِدَّة مِنَ الأَئِمَّةِ، لَمْ يَسُغْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ.
كَمَا أَنَّ الفَقِيْه المُبتدئ ، وَالعَامِي الَّذِي يَحفظ القُرْآن ، أَوْ
كَثِيْراً مِنْهُ : لاَ يَسوَغُ لَهُ الاجْتِهَاد أَبَداً، فَكَيْفَ يَجْتَهِدُ،
وَمَا الَّذِي يَقُوْلُ؟ وَعلاَم يَبنِي؟ وَكَيْفَ يَطيرُ وَلَمَّا يُرَيِّش؟!".
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (18/192).
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء " (12/93) : " يجب على العالم أن يعمل بما ترجح
لديه بالدليل الصحيح ، ويجب على العامي أن يسأل من يثق بعلمه وعمله ويعمل بفتواه ؛
لقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)" انتهى
.
وقالوا : " إذا كان طالب العلم أهلا للترجيح ، وعنده مقدرة على اختيار ما يراه
بدليله ؛ جاز له ذلك، وإذا لم يكن أهلا لذلك سأل من يثق بعلمه" انتهى من "فتاوى
اللجنة الدائمة" (12/93).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " ومن المعلوم أن العامي لا يمكن أن يستخلص الحكم من
الأدلة ؛ لأنه عامي فما عليه إلا أن يقلد ، وفي هذه الحال يجب عليه أن يقلد من يرى
أنه أقرب إلى الصواب لسعة علمه وقوة دينه وأمانته" انتهى من "فتاوى نور على الدرب"
(3/361).
مع العلم أن من القواعد التي
ذكرها العلماء في هذا الباب : " الخروج من الخلاف مستحب ".
والمقصود من ذلك : إذا أمكن الإنسان أن يعمل بقول يكون العلماء متفقون فيه على عدم
تأثيمه ، فهو أولى له من الأخذ بقول يتنازع العلماء في تأثيمه فيه .
والعلماء متفقون على أن لبس النقاب فضيلة وسنة ، وإنما اختلفوا فيمن لا تلبسه ، هل
هي آثمة أم لا ؟
وسبق في الموقع فتاوى عدة في طريقة التعامل مع اختلاف العلماء ، وهل للإنسان أن
يتبع رخصهم ، واذا اختلفوا فهل له أن يأخذ بالقول الأخف .
وللوقوف عليها ينظر جواب الأسئلة :
(22652) موقفنا من اختلاف العلماء .
(68152) موقفنا من اختلاف الأئمة في مسألة
تغطية الوجه .
(219722) هل ستر المرأة وجهها من القضايا
الخلافية التي لا ينكر فيها على المخالف .
(105721) إذا قلد عالمًا معروفا بالعلم
والأمانة هل يأثم ؟ وفيها بيان حكم اختيار القول الأسهل.
(146422) كيف يتصرف من يريد الورع في بعض
المسائل الخلافية ؟
(148057) مسائل متعددة في الإفتاء
والاستفتاء والتقليد .
والله أعلم .