الحمد لله.
وأظهر القولين في المسألة –
والله أعلم – هو القول الثاني ؛ فإن هذا شرط رضيت به على نفسها عند العقد ، وقد قال
صلى الله عليه وسلم ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) ، وكما
أنها إذا شَرطت عليه إسقاط بعض حقه لزمه ، فكذلك إذا شرط عليها إسقاط بعض حقها
فيلزمها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بعدما حكى عن الإمام أحمد عدم لزوم الشرط :
قال " ولكنه في رواية الأثرم لما قيل له : أرأيت هذا الشرط في عقد النكاح ؟ أمسك عن
جواب هذه المسألة ، وقال : أما إذا قاله لها بعد النكاح ، فلها أن ترجع.
وهذا الإمساك والوقوف عن الجواب يخرج مثله على وجهين.
والمذهب المنصوص : أن الزوج متى اشترط ترك حقه الثابت بمطلق العقد ، كتحويلها من
دارها والسفر بها : كان شرطًا لازمًا .
وكذلك إذا شرط ترك ما يستحقه ، وهو التزوج والتسري عليها .
فإذا كان إذا شرطت عليه ترك بعض ما يستحقه عند الإطلاق ، لغرض صحيح لها في ذلك :
لَزِم ؛ فكذلك إذا شرط عليها مثل ذلك" انتهى من "العقود" (ص208-211) .
وقال المرداوي :
" قال الشيخ تقي الدين - رحمه الله - : ويحتمل صحة شرط عدم النفقة ، قال : لا سيما
إذا قلنا : إنه إذا أعسر الزوج ورضيت به : أنها لا تملك المطالبة بالنفقة بعد ...
واختار أيضا الصحة فيما إذا شرط عدم الوطء ، كشرط ترك ما تستحقه " .
انتهى من " الإنصاف " (8/165) .
ولأن في إجازة رجوعها عما
شُرط عليها إضرارا بالزوج ، فإنه دخل في هذا النكاح ، وتكلف نفقاته ، وما التزم لها
فيه ، بناء على ما تشارطا عليه ، فإذا قلنا : إن لها الحق في الرجوع ، لم يخف ما
عليه فيه من الضرر والغبن .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وقول من قال : إن حقها يتجدد فلها الرجوع في ذلك متى شاءت : فاسد ؛ فإن هذا خرج
مخرج المعاوضة ، وقد سماه الله تعالى صلحاً ، فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من
الحقوق والأموال ، ولو مكنت من طلب حقها بعد ذلك : لكان فيه تأخير الضرر إلى أكمل
حالتيه ، ولم يكن صلحا ، بل كان من أقرب أسباب المعاداة ، والشريعة منزهة عن ذلك ،
ومن علامات المنافق أنه إذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، والقضاء النبوي يرد هذا " .
انتهى من " زاد المعاد " (5/139) .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" إذا شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها، فالمذهب لا يصح، والصحيح أنه يصح، فإذا قال:
أنا عندي زوجة سأعطيها يومين وأنت يوما، فرضيت بذلك فلا مانع، فهذه سودة بنت زمعة ـ
رضي الله عنها ـ وهبت يومها لعائشة ـ رضي الله عنها ـ فأقرها النبي ـ عليه الصلاة
والسلام " .
انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " (12/ 191) .
والله أعلم .