الحمد لله.
وقال الشيخ محمد الأمين
الشنقيطي رحمه الله تعالى : " فإن كان مما لا مجال للرأي فيه ، فهو في حكم المرفوع
، كما تقرر في علم الحديث ، فيقدَّمُ على القياس ، ويُخَصُّ به النص , إن لم
يُعْرَف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات "انتهى من " مذكرة أصول الفقه " ( ص 256 ).
وانظر تفصيل الكلام على حجية قول الصحابي في الجواب رقم : (229770)
.
ومن أمثلة احتجاج أهل السنة
بقول الصحابي في العقيدة: احتجاجهم بقول ابن عباس: " الكرسي موضع القدمين، والعرش
لا يقدُر أحدٌ قدرَه" أخرجه الدارمي في "الرد على بشر المريسي "(1/400)، وعبد الله
بن أحمد في "السنة" (1/300)، وابن أبي شيبة في "العرش"، ص437، وابن خزيمة في "التوحيد"
(1/248)، وابن جرير في تفسيره (5/398)، والدارقطني في "الصفات"، ص49، والحاكم في "المستدرك"
(2/ 310)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني
في "مختصر العلو"( ص75).
ثانيا:
لا يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف في إثبات شيء من العقائد أو الأحكام، وإنما يجوز
العمل به في الفضائل عند بعض أهل العلم بشروط ، وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال
رقم: (44877) .
وحديث: ( إذا أصاب أحدكم
عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله يرحمكم الله تعالى) حديث ضعيف كما سبق
بيانه في جواب السؤال رقم : (181206).
ومثله حديث: (إذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا ، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا ،
وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ، فَلْيَقُلْ : يَا عِبَادَ اللَّهِ
أَغِيثُونِي ، يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي ، فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لا
نَرَاهُمْ) وانظر: السؤال رقم : (132642)
.
فمن رأى ضعف الحديث لم يجز
له العمل به في هذه المسألة العقدية ، وهي مناداة الملائكة ؛ لأنه لم يؤذن لنا في
ذلك ، والأصل منع سؤال غير الله إلا الحي الحاضر فيما يقدر عليه ، وليس لأحد إذا
نزل به ضر أو مكروه أن يقول: يا جبريل أو يا ميكائيل، فإن ذلك من الشرك بالله تعالى.
لكن قد جاء هذا الحديث موقوفا من كلام ابن عباس رضي الله عنه.
قال البيهقي: " هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ
الصَّالِحِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِوُجُودِ صِدْقِهِ عِنْدَهُمْ فِيمَا
جَرَّبُوا " انتهى من " الآداب للبيهقي" (ص: 269).
وممن عمل بهذا الحديث :
الإمام أحمد بن حنبل.
قال عبد الله بن الإمام أحمد : " سمعت أبي يقول : حججْت خمس حجج ، منها ثنتين
راكبًا ، وثلاثة ماشياً أو ثِنْتَيْنِ ماشياً وثلاثة راكبًا ، فضللت الطَّرِيق في
حجَّة ، وكنت مَاشِيا ، فجعلت أقول : يا عباد الله دلوني على الطَّرِيق ، فلم أزل
أقول ذلك حتى وقفتُ على الطريق " .
انتهى من "مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله" (ص: 245) ، وينظر: "تاريخ دمشق"
لابن عساكر (5/ 298(.
فمن عمل بهذا، فلصحة الحديث
عنده ، أو لصحته عن ابن عباس، وقد تقدم بيان أن مثل هذا له حكم المرفوع .
والحديث محتمل للتحسين، ولهذا حسنه ابن حجر والسخاوي والألباني، واستظهر أن أحمد
كان يقويه.
قال الألباني بعد نقل تحسين ابن حجر والسخاوي: " ويبدو أن حديث ابن عباس الذي حسنه
الحافظ كان الإمام أحمد يقويه ، لأنه قد عمل به ، فقال ابنه عبد الله في " المسائل
" ( 217 ) : " سمعت أبي يقول : حججت خمس حجج منها ثنتين [ راكبا ] وثلاثة ماشيا ،
أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا ، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا ، فجعلت أقول : ( يا
عباد الله دلونا على الطريق ! ) فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق . أو كما قال
أبي .
ورواه البيهقي في " الشعب " ( 2 / 455 / 2 ) وابن عساكر ( 3 / 72 / 1 ) من طريق عبد
الله بسند صحيح .
وبعد كتابة ما سبق وقفت على إسناد البزار في " زوائده " ( ص 303 ) : حدثنا موسى بن
إسحاق : حدثنا منجاب بن الحارث : حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد [ عن أبان
] ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : وهذا إسناد حسن كما قالوا ، فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي
، وهو من رجال مسلم ، على ضعف في حفظه ، قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يهم "
.
وموسى بن إسحاق هو أبو بكر الأنصاري ثقة ، ترجمه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (13
/ 52 - 54) ترجمة جيدة " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (2/111).
ثالثا:
إذا صح الحديث ، أو حسن فلا إشكال في معناه، فيكون من الاستعانة بالحي الحاضر فيما
يقدر عليه، وهذا مشروع اتفاقا. قال تعالى: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ
عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) القصص/15، وقال
النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (ناوليني الخمرة من المسجد) رواه مسلم (298) .
فإذا ثبت الحديث ، وأن هناك ملائكة تعين الضال، كان هذا بمثابة أن تقول لصاحبك:
أعني، أو رد علي دابتي، فهي استعانة بحاضر في أمر يقدر عليه.
قال الألباني رحمه الله في
الموضع السابق: " فهذا الحديث - إذا صح - يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول "
يا عباد الله " : إنما هم الملائكة ، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو
الإنس ، ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين ، سواء كانوا أحياء أو
أمواتا ، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بين لأنهم لا يسمعون الدعاء ، ولو
سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة ، وهذا صريح في آيات كثيرة ، منها قوله
تبارك وتعالى : ( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا
دعائكم ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ، ولا ينبئك مثل
خبير ) ( فاطر 13 - 14 )" انتهى.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ : " والحديث لا يدل على ما يدعيه المبطلة من سؤال الموتى
ونحوهم ، بل إنه صريح في أن من يخاطبه ضالُّ الطريق هم : الملائكة ، وهم يسمعون
مخاطبته لهم ، ويقدرون على الإجابة بإذن ربهم ؛ لأنهم أحياء ممكَّنون من دلالة
الضال ، فهم عباد لله ، أحياء يسمعون ، ويجيبون بما أقدرهم عليه ربهم ، وهو إرشاد
ضالي الطريق في الفلاة ، ومن استدل بهذه الآثار على نداءِ شخص معين باسمه ، فقد كذب
على رسول الله ، ولم يلاحظ ويتدبر كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وذاك سيما أهل
الأهواء" .
انتهى من " هذه مفاهيمنا (ص: 56) ، بتصرف يسير .
والله أعلم.