الكلام على حديث ( إن أدنى أهل الجنة منزلة من له سبع درجات )
هل المؤمن في الجنة له درجة أم أكثر ؟
لأني قرأت أن النبي صل الله عليه وسلم قال : ( إن زيد بن عمرو له درجتان ) ، كما قرأت هذا الحديث: ( إن أدنىَ أهلِ الجنةِ منزلةً من له سبع درجات ، وهو على السادِسة ، وفوقَه السابعةُ ، وإن له ثلاثمائة خادمٍ ، يُغدى عليه ويُراحُ كل يومٍ بثلاثمائةِ صَحفةٍ - ولا أعلَمُه إلا قال-: من ذهبٍ ، في كلِّ صحْفةٍ لونٌ ليس في الأُخرَى ، وإنه ليلذُّ آخرها كما يَلذُّ أوَّلها ، ومن الأشرِبِة ثلاثمائةِ إناءٍ، في كلِّ إناءٍ شرابٌ ليس في الآخرِ، وإنه ليَلذُّ آخِرَه كما يَلذُّ أوَّله، وإنه ليقولُ: أي رب! لو أذِنتَ شرابٌ ليس في الآخرِ، وإنه ليَلذُّ آخره كما يَلذُّ أوَّله، وإنه ليقولُ: أي رب لو أذِنتَ لي أطعمتُ أهلَ الجنةِ وسقيتُهُم، لم ينقُص ذلك مما عندي شيئًا، وإن له من الحورِ العينِ ثنتين وسبعينَ زوجةً سوى أزواجِه من الدنيا، وإن الواحدةَ لتقعد مقعدها قدرَ ميلٍ من الأرضِ ) .
فهنا ذكر أن له سبع درجات ، نرجو الإفادة.
ملخص الجواب:
والخلاصة :
أنه لم يصح دليل في تعدد درجات الجنة للمؤمن الواحد ، إلا على سبيل التنقل السابق
تقريره.
والله أعلم.
الجواب
الحمد لله.
أولا:
لم نقف على ما يدل على أن المؤمن الواحد يعطى درجات تامة عديدة من الجنة ، وإنما
يكون في أحدها ولا شك ، ويمكن أن يلحق بمن هو أعلى منه في بعض الحالات ، سبق الحديث
عنها بالتفصيل في الأرقام الآتية: (121192)، (107781)، (135809)، (220421)،
(126349).
ثانيا:
ما ورد في السؤال عن دخول زيد بن عمرو بن نفيل درجتين من الجنة ليس صوابا، ويبدو
أنه سبق قلم من السائل، فالوارد بهذا المعنى عن ورقة بن نوفل، وليس عن زيد بن عمرو.
ثم إن ما ورد عن ورقة ليس عن الدرجات ، وإنما عن تعدد الجنان.
فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا ورقة ؛
فإني رأيت له جنة أو جنتين) .
أخرجه أبو سعيد الأشج في "جزئه" (120)، ومن طريقه الحاكم في "المستدرك" (2/666)،
من طريق أبي معاوية، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا.
وهذا الإسناد ظاهره الصحة، لذلك قال فيه الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه. وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم. وقال الألباني: "وهو كما قالا " "سلسلة
الأحاديث الصحيحة" (405).
ولكن الأدق أن الحديث مرسل ، ولم يرفعه متصلا سوى أبي معاوية عن هشام ، أما أصحاب
هشام الآخرون فيرسلونه.
يقول الدارقطني رحمه الله:
"وغيره يرسله عن هشام، عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمرسل هو المحفوظ" .
انتهى من "العلل" (14/157) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
"وهذا إسناد جيد. [يعني ظاهر الإسناد السابق عن أبي معاوية]، وروي مرسلا وهو أشبه"
.
انتهى من "البداية والنهاية" (3/ 14) .
وفي جميع الأحوال فالجنة أو الجنتين شك من الراوي، وليست من كلام النبي صلى الله
عليه وسلم، ومع الشك يسقط الاستدلال، على أن الجنان للفرد تعني سعة في الدرجة
الواحدة، وليس درجات عدة.
ثالثا:
الحديث المذكور في السؤال لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روي عَنْ شَهْرِ
بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً
إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ ، وَهُوَ عَلَى السَّادِسَةِ ، وَفَوْقَهُ
السَّابِعَةُ، وَإِنَّ لَهُ لَثَلَاثَ مِائَةِ خَادِمٍ وَيُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ
كُلَّ يَوْمٍ بِثَلَاثِ مِائَةِ صَحْفَةٍ. - وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: مِنْ
ذَهَبٍ - فِي كُلِّ صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ
أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَمِنَ الْأَشْرِبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ إِنَاءٍ،
فِي كُلِّ إِنَاءٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْآخَرِ، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ
كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ. وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَوْ أَذِنْتَ لِي
لَأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي شَيْءٌ.
وَإِنَّ لَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى
أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ
مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ مِنَ الْأَرْضِ) .
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (16/545)، ومن طريقه أبو نعيم في "صفة الجنة"
(2/290)
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن [هو ابن موسى]، حدثنا سكين بن عبد العزيز، حدثنا الأشعث
[هو ابن عبد الله الحداني] الضرير، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه به
مرفوعا.
وهذا الإسناد ضعيف، فيه علل عدة:
1. شهر بن حوشب: وثقه جماعة من العلماء كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ولكن ضعفه
آخرون، وقال فيه ابن عدي: عامة ما يرويه شهر فيه من الإنكار ما فيه، وشهر ليس
بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به. وقال في موضع آخر: ضعيف
جدا. ينظر "تهذيب التهذيب" (4/371) (7/8)
2. أشعث بن عبد الله الحُدَّاني: وثقه النقاد، ولكن قال فيه العقيلي: في حديثه وهم.
فيبدو أن هذا الحديث من تلك الأوهام. ينظر "تهذيب التهذيب" (1/355)
3. سكين بن عبد العزيز: ضعفه أبو داود، وقال النسائي: ليس بالقوي، وذكره الدارقطني
في "الضعفاء والمتروكين" (277)، ولكن وثقه وكيع، وابن معين، وقال أبو حاتم وابن عدي:
لا بأس به. كما في "تهذيب التهذيب" (4/126) .
وهكذا نجد أن الإسناد مسلسل تقريبا بمن لا يقبل تفردهم، بل ولا يكاد يعتبر بهم، فلا
يقبل قول البوصيري: رواته ثقات. وقد عرفت ما فيهم من كلام النقاد، فكيف يقبل منهم
هذا المتن الغريب الذي تبدو عليه أمارات النكارة!
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:
"سكين بن عبد العزيز ضعفه النسائي، وشهر بن حوشب ضعفه مشهور، والحديث منكر، مخالف
للأحاديث الصحيحة، فإن طول ستين ذراعا لا يحتمل أن يكون مقعد صاحبه بقدر ميل من
الأرض، والذي في الصحيحين - في أول زمرة تلج الجنة – (لكل امرئ منهم زوجتان من
الحور العين) فكيف يكون لأدناهم ثنتان وسبعون ؟!
وأقل ساكني الجنة نساء الدنيا. فكيف يكون لأدنى أهل الجنة جماعة منهن ؟
وأيضا فإن الجنتين الذهبيتين أعلى من الفضيتين ، فكيف يكون أدناهم في الذهبيتين.
قال الدولابي: شهر بن حوشب لا يشبه حديثه حديث الناس. وقال ابن عون: إن شهرا
نَزَكوه [ يعني : أخذوه بألسنتهم]. وقال النسائي وابن عدي: ليس بالقوي. وقال أبو
حاتم لا يحتج به. وتركه شعبة، ويحيى بن سعيد وهذان من أعلم الناس بالحديث ورواته
وعلله، وإن كان غير هؤلاء قد وثقه وحسن حديثه، فلا ريب أنه إذا انفرد بما يخالف ما
رواه الثقات لم يقبل" .
انتهى من "حادي الأرواح" (1/325) ط عالم الفوائد .
ويقول ابن كثير رحمه الله:
"غريب ، وفيه انقطاع" انتهى من "البداية والنهاية" (20/ 319) .
وقال الألباني رحمه الله :
"منكر ... في الحديث نكارة ظاهرة في غير ما موضع منه" .
انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (6105) .