الحمد لله.
أولا :
وردت بعض ظواهر الأدلة في الكتاب والسنة التي تدل على إلحاق الزوج بزوجته ، أو الزوجة بزوجها ، إذا كان أحدهما في درجة أدنى من الآخر .
قال الله تعالى : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ) الرعد/23 ، ومثله قول الله عز وجل : ( رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) غافر/8 .
قال الحافظ ابن كثير رحمه
الله (4/451) :
" أي : يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ، ممن هو صالح
لدخول الجنة من المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم ، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة
الأعلى ، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته ، بل امتنانا من الله وإحسانا ، كما
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور/21 " انتهى .
وقال – أيضاً - رحمه الله
(7/131) :
" أي : اجْمَعْ بينهم وبينهم ؛ لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة ، كما
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ
شَيْءٍ ) الطور/21 ، أي : ساوينا بين الكل في المنزلة ؛ لتقر أعينهم ، وما نقصنا
العالي حتى يساوي الداني ، بل رفعنا الناقص في العمل ، فساويناه بكثير العمل ،
تفضلا منا ومنة " انتهى .
وقال العلامة ابن عاشور رحمه
الله :
" في هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح ، أو خلف صالح ، أو زوج صالح ، ممن تحققت
فيهم هذه الصِّلات ، أنه إذا صار إلى الجنة لحق بصالح أصوله أو فروعه أو زوجه ، وما
ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى " انتهى من " التحرير والتنوير " (13/131) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" إذا مات رجل وزوجته وكانا من أهل الجنة فإنها تبقى زوجةً له ، قال الله تعالى : (
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ
آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ) . وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ
مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ). والذرية شاملة
لذرية الزوج والزوجة ، فإذا كان الله يلحق بالمؤمنين ذرياتهم ، فمعنى ذلك أن الزوج
والزوجة يكونان سواءً ، ويلحق الله بهما ذريتهما ، وهذا من كمال النعيم الذي في
الجنة ، فإنها فيها ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " انتهى
من " فتاوى نور على الدرب " .
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل
الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول :
يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به ) ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما : (
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا
بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) الطور/21
، رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (11/440) ، وفي " المعجم الصغير " (1/382) .
لكنه حديث موضوع ، في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ، وهو متهم : بوضع
الأحاديث .
قال ابن خزيمة : " أنا خائف أنه كذاب " كما في " المجروحين " لابن حبان (2/306) .
وقال ابن عدي : " ممن يتهم بوضع الحديث " انتهى من " الكامل " (7/550) .
وقال الدارقطني : متروك . " الضعفاء والمتروكين " (3/131) ، وانظر " ميزان الاعتدال
" (3/625) .
وقد ضعف هذا الحديث الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/114) ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله : " هذا إسناد موضوع " انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (رقم/2602) .
فلا يجوز الاستدلال بهذا الحديث ، وإنما ذكرناه للتنبيه على أنه موضوع ، والتحذير منه . ويكفي الاستشهاد بالآيات الكريمات السابقات .
وقد تكلم العلماء على مسألة
إلحاق الذرية بالآباء ، أو الآباء بالذرية في درجات الجنان ، فمن أراد التوسع
فليراجع كتاب " حادي الأرواح " لابن القيم (ص/395) .
وقد سبق بيان هذه المسألة باختصار في الفتوى رقم : (5981) ، والفتوى رقم : (135809) .
ثانيا :
أما قول السائلة : إن إلحاق الأدنى بالأعلى ليس من العدل ، فإننا ننصح أنفسنا
والمسلمين بالتأدب مع الأحكام الشرعية عند السؤال عنها ، فمن أشكل عليه شيء فليسأل
عنه ، وعليه أن يتحفظ في كلامه ، فليس هناك داع لأن يقول : إن كان الأمر كذا فهذا
ظلم ، أو لا يقول به عاقل .. ونحو ذلك من العبارات . فقد يكون الأمر على ما استبعده
هو ، فيكون قد أساء الأدب مع الشرع حيث اتهمه بأنه يأتي بالظلم أو بما لا يقول به
عاقل .
وأما الجواب عن هذا ، فإن إلحاق الأدنى بالأعلى فيه مزيد إكرام وفضل من الله تعالى
للأدنى والأعلى معا ، أما الأدنى فإنه يرتفع إلى درجة أعلى في الجنة لم يبلغها
بعمله . وأما الأعلى فإن الله تعالى يزيد في نعيمه وسروره بأن يجمعه مع من كان يجب
في الدنيا ، فيجمعه مع زوجه أو زوجته أو ولده .. إلخ ، وفي هذا زيادة نعيم وإكرام
للأعلى .
فتبين بهذا أن إلحاق الأدنى بالأعلى لا ينافي العدل ، بل هو زيادة على العدل ، فهو فضل من الله ومزيد إكرام .
وأخيرا .. نصيحتنا للسائلة أن تشتغل بالنافع من الأعمال ، وأن يكون اهتمامها أن تطيع الله تعالى حتى تستحق رحمته وتدخل الجنة ، وتترك عنها تفاصيل الغيب لله سبحانه وتعالى ، فما دامت توقن أن عدل الله مطلق ، وكرمه واسع ، فلا يضرها بعد ذلك عدم علمها ببعض تلك التفاصيل الغائبة عنها .
نسأل الله تعالى أن يدخلنا الجنة برحمته .
والله أعلم .
تعليق