الحمد لله.
ثبت في الحديث عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ، أنه قال: ( لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا.
قَالَ: أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟
قَالَ: قلت : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا. فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ) الآية. ) .
رواه الترمذي (3010)، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
وروى مسلم في صحيحه (1887)عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ؟
قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ( أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا ) .
فدلت هذه النصوص على أن الله تعالى يكلم أرواح الشهداء ، وهي تسرح في الجنة .
ودل حديث جابر ، أن لأبيه : عبد الله بن حرام ، خصوصية زائدة على مجرد ذلك ، فقد أحياه رب العالمين ، وكلمه كفاحا ، ولم يثبت ذلك لأحد ، سوى والد جابر بن عبد الله رضي الله عنه .
وأما تكليم الله تعالى لسائر العباد ، في قبورهم ، فهو ، وإن كان ممكنا في نفسه ؛ إلا أنه لم يرد في شيء من النصوص إثبات ذلك .
وأحوال البرزخ والقبر من علم الغيب الذي لا يقال فيه بشيء إلا بنص من الوحي .
فلهذا نثبت تكليم الله لمن نص الوحي على تكليم الله له ، كالشهداء، وعلى الوجه الذي جاء به النص؛ لا نتعداه ؛ فلا نثبته في غير ما جاء به النص ، ولا نثبته على نحو ، لم يرد به النص الشرعي .
وما سوى ذلك ، فالواجب التوقف عن القول فيه ، أو القطع فيه بشيء .
والله أعلم .