الحمد لله.
الطلاق حال الغضب الشديد الذي حمل الإنسان على التلفظ بالطلاق، ولولاه ما طلق: مختلف فيه بين الفقهاء، والمرجح عندنا والراجح أنه لا يقع، وينظر: جواب السؤال رقم (45174).
وإذا كان الزوج مصابا بانفصام الشخصية وصنف الطبيب حالته الصحية بالجنون حين قيامه بتطليقك، فهذا لا يقع طلاقه حتى عند من يوقع طلاق الغضبان.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وقال [الإمام أحمد] في رواية أبي طالب، في المجنون يطلق، فقيل له بعدما أفاق: إنك طلقت امرأتك. فقال: أنا أذكر أني طلقت، ولم يكن عقلي معي. فقال: إذا كان يذكر أنه طلق، فقد طلقت. فلم يجعله مجنونا إذا كان يذكر الطلاق، ويعلم به.
وهذا، والله أعلم، في [ حق ] مَنْ جنونه بذهاب معرفته بالكلية، وبطلان حواسه .
فأما من كان جنونه لنُشاف أو كان مبرسما، فإنه يسقط حكم تصرفه، مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية، فلا يضره ذكره للطلاق، إن شاء الله تعالى" انتهى من المغني (7/ 378).
والنُّشَاف والبِرسام: مرضان لا يُذهبان الإدراك بالكلية، ولكن يجعلان المريض لا يضبط كلامه .
وقال في شرح منتهى الإرادات (3/ 74): " (ولا) طلاق على (نائم ولا زائلٍ عقلُه بجنون أو برسام أو نشاف ، ولو بضربه نفسه) لحديث : " كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه، والمغلوب على عقله " ، وحديث " رفع القلم عن ثلاثة ; عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق ; ولأن الطلاق: قول يزيل الملك ، فاعتبر له العقل كالبيع" انتهى.
وقال الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله: " هل يُلحق المريض بالمجنون في عدم وقوع طلاقه؟
أ: إذا كان مرضه يؤثر في عقله:
المريض إذا كان مرضه يذهب بعقله، ويجعله مجنوناً أو ملحقاً به، فإن طلاقه لا يقع، لا لكونه مريضاً، وإنما للخلل الذي أصاب عقله بسبب مرضه، فجعله مجنوناً، أو ملحقاً به في حكم عدم وقوع طلاقه .
وبهذا صرّح الفقهاء، ففي "مواهب الجليل" للحطاب في فقه المالكية:
"طلاق فاقد العقل، ولو بنوم : لغو، والمعتوه كالمجنون، وكذلك المريض إذا ذهب عقله من المرض".
وفي "رد المحتار" في فقه الحنفية: "وكذا يقال فيمن اختل عقله لكبر أو لمرض أو لمصيبة فاجأته، فما دام في حال غلبه الخلل في الأقوال والأفعال : لا تعتبر أقواله"...
ب: إذا لم يؤثر مرضه في عقله:
أما المريض الذي لم يتأثر عقله بمرضه، بل ظل سليم الإدراك، كما كان قبل مرضه : فهذا يقع طلاقه" انتهى من "المفصل في أحكام المرأة" (7/ 367).
وتقدم في جواب السؤال رقم (132519) أن انفصام الشخصية مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل، مثل التفكير والإدراك والمشاعر والسلوك، وأنه مانع من موانع التكليف ، لا سيما في مراحله المتأخرة المزمنة ، أما في الحالة التي يدري فيها عن نفسه ، ويسيطر على أفعاله وتفكيره: فإنه يكون مكلفاً بما أمره الله به أو نهاه عنه .
وبناء على ما سبق : فإن كان الطلقات الثلاث كلهن قد وقعن تحت تأثير هذا المرض، أو وقعن في الغضب الشديد بصفة عامة، فإنه لا يقع شيء منهن، وتكون الزوجية بينكما قائمة.
وإذا رغبت في فراق زوجك: فإما أن يطلقك في حال وعيه وإدراكه التام، وإما أن تخالعيه، فيخلعك في حال وعيه أيضا.
ويصح الخلع مقابل التنازل عن المهر سواء كان أثاثا أو غيره.
فإن أبى الزوج الطلاق والخلع، فارفعي أمرك إلى قاض مسلم، فإن لم يوجد، فإن المركز الإسلامي يقوم مقامه، فيجبر الزوج على الطلاق أو الخلع .
فإن لم يتلفظ به : أوقعه المركز عليه .
ولا مانع بعد ذلك من توثيق الحكم لدى القضاء الوضعي.
وقد نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ، المنعقد بكوبنهاجن- الدانمارك مع الرابطة الإسلامية ، في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425هـ الموافق 22-25 من يونيو لعام 2004 م على : " أنه يرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلا لاستخلاص حق ، أو دفع مظلمة ، في بلد لا تحكمه الشريعة ، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة ، والاقتصار على المطالبة به ، والسعي في تنفيذه ".
وجاء فيه : " المحور السابع : مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم خارج ديار الإسلام:
بين القرار أنه إذا طلق الرجل زوجته طلاقا شرعيا فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية . أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق: فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه ، بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة .
وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية : لا يترتب عليه - وحده - إنهاء الزواج من الناحية الشرعية ، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني، فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية ، وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم ، لإتمام الأمر من الناحية الشرعية.
ولا وجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة لتوافر المراكز الإسلامية وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق " انتهى.
ونحن نوصيك بشدة : أن تذهبي إلى المركز الإسلامي المتاح في منطقتك ، وتعرضي عليهم تفاصيل ما حدث بينك وبين زوجك ؛ فإن مشافهتهم بما حصل : أدعى إلى تصور الواقع على وجه صحيح ، وبيان ما يلزمك من حكم الشرع .
والله أعلم.