الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

حقيقة مرض "الفصام" وهل يرفع التكليف عن صاحبه؟

132519

تاريخ النشر : 16-05-2009

المشاهدات : 107557

السؤال

هل الأمراض النفسية كالفصام يرفع التكليف عن صاحبه ، من صلاة ، أو غير ذلك من الفروض ؟ .

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

التكليف هو صلاحية الإنسان أن يتوجه إليه الأمر والنهي ، بحيث يعاقب إن خالف ذلك .

ولهذا التكليف صفات يسميها العلماء : أهلية الوجوب ، ومن أهم هذه الصفات : أن يكون الإنسان عاقلاً ، فالمجنون غير مكلف ، ودل على ذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ) رواه الترمذي (1423) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

وجاء في "الموسوعة الفقهية" (13/249) :

"أهلية الوجوب عبارة عن صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة ، بحيث تثبت له حقوق ، وتجب عليه واجبات والتزامات ... وبهذا يعرف أن الأهلية مناط التكليف" انتهى .

ثانياً :

الفصام من الأمراض العقلية ، ويسمى خطأً " فصام الشخصية " .

قال الدكتور ياسر بكار :

"لا صحة لما يرد عن مرض فصام العقل أن المريض يكون له شخصيتان في جسد واحد ، فهذا من ابتداع كتَّاب السينما ، والحقيقة : أن المريض يعاني من خلل دماغي يسبب انفصالاً بين العقل والعواطف والسلوك" .

وقال :

"الفصام هو مرض دماغي مزمن يصيب عدداً من وظائف العقل مثل التفكير والإدراك والمشاعر والسلوك" انتهى .

وقال الدكتور حسين عبد القادر - استشاري الأمراض النفسية - :

"وتؤكد دراسات علم النفس إن الفصام أو " الشيزوفرنيا " هي حالة تصيب 1% من الناس والمصاب بهذا الداء يطلق عليه " مختل عقليّاً " ، والفصام من الأمراض المزمنة التي يعاني منها المريض طيلة حياته" انتهى .

"وأما أعراض هذا المرض : فتظهر فيفقد التفكير والعاطفة والإدراك والإرادة والسلوك .

أما أعراض الإرادة : فإن مريض الفصام يفقد الكثير من قوة الإرادة ، وعدم المقدرة على اتخاذ أي قرارات ، والسلبية المطلقة في التصرفات ، ثم فقد الإحساس بالذات  .

وأما أعراض السلوك : فإن مريض الفصام يفقد اهتمامه بذاته ونظافته وصحته العامة ، ولا يهتم بالأحداث اليومية ، ويكون عرضة لسلوك غريب ، مثل : تكرار الحركات ، أو نوبات من الهياج والاندفاع والعدوانية ، كما أنه يبدأ بالانعزال عن الناس ، ويكف عن الذهاب إلى المساجد والأصدقاء ، ويفقد اهتمامه بما حوله ، ويبتعد عن الناس ، كما أنه يهمل الدراسة والعمل تماماً حتى يفصل ، ويجلس متقوقعاً داخل عالمه الوهمي" انتهى من كلام بعض الاختصاصيين .

وبالتأمل في حقيقة هذا المرض العقلي ، وأعراضه يتبين أن مريض الفصام قد تعتريه في غالب أوقاته – أو كلها - ما يجعله يعيش في عالم آخر ، وفي هذا الوقت لا يكون مكلَّفاً إلا أن تزول عنه تلك الحالة ، وهذا كلام أحد الاختصاصيين في هذه المسألة :

قال الدكتور سيد البرجيسي  - في بيان ما يعتري مريض الفصام من آثار لمرضه - :

"الضلالات : الضلالات عبارة عن اعتقاد خاطئ يؤمن به المريض إيماناً راسخاً يستحيل إقناعه منطقيّاً بعدم صحته ، ولا تدل الضلالات على وجود تدهور بالذكاء ، وليست له علاقة به ، وأهم الضلالات الموجودة في مرض الفصام :

أ‌.ضلالات الاضطهاد : حيث يعتقد المريض أن الناس تتعقبه ، وأن أجهزة الأمن تتبع كل خطواته ، أو أن بعض الناس تكرهه ، وتريد التخلص منه ، سواء بوضع السم في الطعام وخلافه .

ب‌.ضلالات العظمة : يؤمن المريض أنه أذكى أو أقوى البشر ، أو أنه رسول مرسل لهداية الناس ، أو أنه عالِم ، أو مخترع ، أو أوتي قوة خارقة ، أو يستطيع الكشف عن الظواهر الغيبية .

ج. ضلالات التأويل أو التلميح أو الإشارة : حيث يعتقد المريض أن كل حركة تصدر ممن حوله تكون للإشارة أو التلميح إلى تصرفاته ، وهذا يجعله إما في حالة من الاحتكاك المستمر مع المجتمع ، أو الانطواء والانعزال عن الناس .

د. ضلالات التأثير : يشعر المريض أنه تحت تأثير قوى داخلية أو خارجية ويصبح أسير هذه الأفكار التي تختلف من أشعة ليزر إلى ذبذبات صوتية أو لاسلكية وما شابه ذلك" انتهى .

والخلاصة : أنه بالنظر في حقيقة التكليف الشرعي ، وحقيقة الأهلية ، وعوارضها ، وبالتأمل في طبيعة مريض الفصام وأعراضه وآثاره : نجد أنه مانع من موانع التكليف ، لا سيما في مراحله المتأخرة المزمنة ، أما في الحالة التي يدري فيها عن نفسه ، ويسيطر على أفعاله وتفكيره فإنه يكون مكلفاً بما أمره الله به أو نهاه عنه .

وهذا الذي قلناه هو فيما يتعلق بحقوق الله تعالى كالصلاة والصيام والحج ، أما فيما يتعلق بحقوق الآخرين فإنه يضمن ما أتلفه لهم من أموال ، وتجب عليه الزكاة في أمواله ، لأن هذه الواجبات لا يشترط لوجوبها التكليف .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب