الحمد لله.
من أُعطي شيئاً ، من غير مسألة ، ولا تطلع إليه : جاز له قبوله ؛ لما رواه البخاري (1473) ومسلم (1045) : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَطَاءَ فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ : أَعْطِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ ، وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ) .
قَالَ سَالِمٌ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَه .
وبوب عليه الإمام البخاري رحمه الله في كتاب "الزكاة" من صحيحه : بَابُ مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلاَ إِشْرَافِ نَفْسٍ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ [الذاريات: 19] انتهى .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وأوردها بلفظ العموم وإن كان الخبر ورد في الإعطاء من بيت المال لأن الصدقة للفقير في معنى العطاء للغني إذا انتفى الشرطان " انتهى. "فتح الباري" (3/337) .
وقال النووي رحمه الله : "والمشرف إلى الشيء : هو المتطلع إليه ، الحريص عليه" انتهى من شرح مسلم.
وقال رحمه الله : " إذا عُرض عليه مال من حلال ، على وجه يجوز أخذه ، ولم يكن مِنْهُ مسألة، ولا تطلع إليه : جاز أخذه بلا كراهة ، ولا يجب .
وقال بعض أهل الظاهر : يجب ; لحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر رضي الله عنه...فذكره .
دليلنا حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي , ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي , ثُمَّ قَالَ : يَا حَكِيمُ , إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ , وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ , وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى .
قَالَ حَكِيمُ : فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُوَ حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا .
ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ , فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ , أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ ، فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ .
فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وقوله : " يَرْزَأُ " : - مَعْنَاهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا...
وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُ عَلَى هَذَا . وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الْحَاضِرِينَ رضي الله عنهم , وَحَدِيثُ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ " انتهى من "شرح المهذب"(6/234)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح "رياض الصالحين" (1/275) :
كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يسأل أحداً شيئاً ، وإذا جاءه شيء من غير سؤال: قَبِله .
وهذا غاية ما يكون من الأدب : ألا تذل نفسك بالسؤال، ولا تستشرف للمال، وتعلق قلبك به .
فالذي ينبغي أن من أعطاك بغير مسألة : تقبل منه .
إلا إذا كان الإنسان يخشى ممن أعطاه أن يَمُنَّ به عليه في المستقبل ، فيقول : أنا أعطيتك ، أنا فعلت معك كذا وكذا ، وما أشبه ذلك : فهنا يرده ؛ فليحم نفسه من هذا.." انتهى .
فيجوز لك قبول ما جاءك، ما دمت لم تسأل، ولم تتطلع إليه . ولو أخذته وتصدقت به نلت الأجر والخير.
لكن ما دمت لست محتاجا، فالذي يظهر أنه ينبغي أن توجه المعطين إلى أن هناك من هو بحاجة إلى هذه المساعدة، وأنه أولى منك، أو أن تبين له حالك ، إن كنت تعلم أنه يعطيك لأجل الحاجة ، ولو علم باطن الأمر ، وأنك مستغن : لما أعطاك ؛ مراعاة لقصده ونيته في صدقته .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (191708).
والله أعلم.