الحمد لله.
يجوز لبس الأصواف المستوردة من بلاد غير المسلمين ؛ سواء جُزّ صوفها من بهيمة حية ، أو ميتة؛ لأن صوف الميتة وشعرها طاهر عند جمهور العلماء وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو وجه عند الشافعية .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"( وصوف الميتة وشعرها طاهر ) : يعني شعر ما كان طاهرا في حياته وصوفه ، وروي ذلك عن الحسن وابن سيرين .
وأصحاب عبد الله قالوا : إذا غسل ، وبه قال مالك ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وابن المنذر، وأصحاب الرأي .
وروي عن أحمد ما يدل على أنه نجس . وهو قول الشافعي ؛ لأنه ينمو من الحيوان ، فينجس بموته ، كأعضائه .
ولنا : .... أنه لا يحله الموت ، فلم ينجس بموت الحيوان ، كَبَيْضِه .
والدليل على أنه لا حياة فيه : أنه لا يحس ولا يألم ، وهما دليلا الحياة .
ولو انفصل في الحياة كان طاهرا ، ولو كانت فيه حياة ، لنجس بفصله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أبين من حي فهو ميت ) رواه أبو داود بمعناه .
وما ذكروه ينتقض بالبيض .
ويفارق الأعضاء ؛ فإن فيها حياة ، وتنجس بفصلها في حياة الحيوان .
والنمو بمجرده ليس بدليل الحياة، فإن الحشيش ينمو، ولا ينجس " انتهى من "المغني" (1/59) .
بل القول الراجح أن الشعر والصوف : طاهر من الحيوان كله ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، قال :
" عظم الميتة ، وقرنها وظفرها ، وما هو من جنس ذلك : كالحافر ، ونحوه ، وشعرها ، وريشها ووبرها : ففي هذين النوعين للعلماء ثلاثة أقوال .
أحدها : نجاسة الجميع كقول الشافعي في المشهور ، وذلك رواية عن أحمد .
والثاني : إن العظام ونحوها نجسة ، والشعور ونحوها طاهرة ، وهذا هو المشهور من مذهب مالك ، وأحمد .
والثالث : إن الجميع طاهر : كقول أبي حنيفة ، وهو قول في مذهب مالك ، وأحمد ، وهذا القول هو الصواب ؛ لأن الأصل فيها الطهارة ، ولا دليل على النجاسة .
وأيضا فإن هذه الأعيان هي من الطيبات ، ليست من الخبائث، فتدخل في آية التحليل ؛ وذلك لأنها لم تدخل فيما حرمه الله من الخبائث لا لفظا ، ولا معنى ، أما اللفظ فكقوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة ) لا يدخل فيها الشعور وما أشبهها .
وذلك لأن الميت ضد الحي ، والحياة نوعان : حياة الحيوان ، وحياة النبات .
فحياة الحيوان خاصتها الحس ، والحركة الإرادية ، وحياة النبات النمو والاغتذاء...
وإنما الميتة المحرمة : ما كان فيها الحس والحركة الإرادية .
وأما الشعر فإنه ينمو ، ويغتذي ، ويطول ، كالزرع ؛ والزرع ليس فيه حس ، ولا يتحرك بإرادة ، ولا تحله الحياة الحيوانية حتى يموت بمفارقتها ، ولا وجه لتنجيسه .
وأيضا : فلو كان الشعر جزءا من الحيوان ، لما أبيح أخذه في حال الحياة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم يجبون أسنمة الإبل ، وأليات الغنم فقال : ( ما أبين من البهيمة وهي حية ، فهو ميت ) رواه أبو داود ، وغيره ، وهذا متفق عليه بين العلماء ؛ فلو كان حكم الشعر حكم السنام والألية ، لما جاز قطعه في حال الحياة .
فلما اتفق العلماء على أن الشعر والصوف إذا جز من الحيوان كان حلالا طاهرا ، علم أنه ليس مثل اللحم " انتهى من " الفتاوى الكبرى " (1/267) .
والخلاصة :
يجوز لبس الأصواف المستوردة من بلاد الكفار ، ولو جهل الحيوان الذي أخذت منه ، أو جهلت حياته ، ولا يشرع تكلف السؤال عن مثل ذلك .
بل لو افترض أن هذه الملابس : دخل فيها شعر ، أو صوف من حيوان نجس ، لكانت جائزة الاستعمال ، طاهرة ، على القول الراجح . كما سبق بيانه في جواب السؤال (175729) .
والله أعلم .