الحمد لله.
اختلف الفقهاء في نجاسة شعر الخنزير ، فذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى نجاسته ، وذهب المالكية إلى طهارته .
وعلى القول بنجاسته : لا يجوز استعماله رطبا ، أو في مماسة شيء رطب ؛ لأن النجاسة تنتقل بذلك .
وفي "الموسوعة الفقهية" (20/ 35) : " ذهب الجمهور إلى نجاسة شعر الخنزير فلا يجوز استعماله لأنه استعمال للعين النجسة .
وعند الشافعية لو خرز خف بشعر الخنزير لم يطهر محل الخرز بالغسل أو بالتراب ، لكنه معفو عنه ، فيصلى فيه الفرائض والنوافل لعموم البلوى . وعند الحنابلة يجب غسل ما خرز به رطبا ، ويباح استعمال منخل من الشعر النجس في يابس لعدم تعدي نجاسته ، ولا يجوز استعماله في الرطب لانتقال النجاسة بالرطوبة .
وأباح الحنفية استعمال شعره للخرازين للضرورة .
وذهب المالكية إلى طهارة شعر الخنزير ، فإذا قص بمقص جاز استعماله ، وإن وقع القص بعد الموت ، لأن الشعر مما لا تحله الحياة ، وما لا تحله الحياة لا ينجس بالموت ، إلا أنه يستحب غسله للشك في طهارته ونجاسته . أما إذا نتف فلا يكون طاهرا " انتهى .
وفيها أيضا (26/ 102) : " وانفرد المالكية بالقول بطهارة شعر الخنزير ، لأنه [أي الشعر] طاهر حال الحياة ، وهذا إذا جز جزا ولم ينتف . فإن نتف فإن أصوله نجسة ، وأعلاه طاهر .
واستدلوا بقوله سبحانه وتعالى : ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين .
والآية سيقت للامتنان ، فالظاهر شمولها الموت والحياة .
وبحديث ميمونة - رضي الله عنها - : أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة حين مر بها : إنما حرم أكلها . - وفي لفظ - إنما حرم عليكم لحمها ورخص لكم في مسكها أي جلدها .
واستدلوا من المعقول بأن المعهود في الميتة حال الحياة الطهارة ، وإنما يؤثر الموت النجاسة فيما تحله الحياة ، والشعور لا تحلها الحياة .
فلا يحلها الموت ، وإذا لم يحلها وجب الحكم ببقاء الوصف الشرعي المعهود لعدم المزيل .
فالأصل في طهارة شعر الميتة أن ما لا تحله الحياة - لأنه لا يحس ولا يتألم - لا تلحقه النجاسة بالموت " انتهى .
والراجح طهارة شعر الخنزير والكلب وغيرهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وله [أي الإمام أحمد] في الشعور النابتة على محل نجس ثلاث روايات :
إحداها : أن جميعها طاهر حتى شعر الكلب والخنزير ; وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز .
والثانية : أن جميعها نجس كقول الشافعي .
والثالثة : أن شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة : طاهر ، كالشاة والفأرة , وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس كالكلب والخنزير , وهي المنصورة عند أكثر أصحابه .
والقول الراجح هو : طهارة الشعور كلها : الكلب , والخنزير , وغيرهما بخلاف الريق , وعلى هذا فإذا كان شعر الكلب رطبا , وأصاب ثوب الإنسان , فلا شيء عليه , كما هو مذهب جمهور الفقهاء أبي حنيفة , ومالك , وأحمد في إحدى الروايتين عنه ; وذلك ; لأن الأصل في الأعيان الطهارة , فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل , كما قال تعالى : وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه , وقال تعالى : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون , وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : إن من أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته . وفي السنن : عن سلمان الفارسي مرفوعا ; ومنهم من يجعله موقوفا : أنه قال : الحلال ما أحل الله في كتابه , والحرام ما حرم الله في كتابه , وما سكت عنه فهو مما عفا عنه . وإذا كان كذلك , فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا أولاهن بالتراب , وفي الحديث الآخر إذا ولغ الكلب . فأحاديثه كلها ليس فيها إلا ذكر الولوغ ; لم يذكر سائر الأجزاء , فتنجيسها إنما هو بالقياس ... وكل حيوان قيل بنجاسته , فالكلام في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب , فإذا قيل بنجاسة كل ذي ناب من السباع , وذي مخلب من الطير , إلا الهر وما دونها في الخلقة كما هو مذهب كثير من العلماء : علماء أهل العراق , وهو أشهر الروايتين عن أحمد , فإن الكلام في ريش ذلك وشعره فيه هذا النزاع , هل هو نجس ؟ على روايتين عن أحمد . إحداهما : أنه طاهر , وهو مذهب الجمهور : كأبي حنيفة , والشافعي ومالك . والرواية الثانية : أنه نجس , كما هو اختيار كثير من متأخري أصحاب أحمد , والقول بطهارة ذلك هو الصواب كما تقدم " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ضمن الفتاوى الكبرى (5/ 264).
وبناء على ذلك : فلا حرج في استعمال المشط المصنوع من شعر الخنزير ، ولا يضر ملمسته للشعر الرطب ، لكن التنزه عن ذلك والبعد عنه أولى ؛ خروجا من الخلاف .
والله أعلم .
تعليق