ظفر أصبعي كبير بعض الشي ، وثابت في الجلد ، فهل يجب أن يمر الماء تحته باستخدام مادة رفيعة ليمر الماء دون ألم ؟ وهل يجب غسل أسفل الذقن ؟ وما صحة هذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم عن أنس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته ، وقال : (هكذا أمرني ربي عز وجل) " ؟ وكيف يمكن للشخص معرفة إن كان الوسخ الموجود على اليد يمنع وصول الماء أم لا ؟ أرجو الإجابة على جميع أسئلتي لتزول كل الشكوك التي تساورني حول الوضوء .
الحمد لله.
أولا :
لا يجب عليك أن تستخدم ما ترفع به أظفرك ليمر الماء تحته ، بل هذا من التشدد غير المقبول شرعا ، فإن المتوضئ إذا غسل أعضاءه غسلا معتادا ، فقد امتثل أمر الله تعالى ، وأدى ما عليه .
وإن قُدّر أن شيئا يسيرا تحت الظفر لم يصل إليه الماء ، فهو من اليسير المعفو عنه ، كالوسخ تحت الظفر ، والشقوق في الرجلين ، لا يجب على المتوضئ أن يستيقن دخول الماء في كل شق منها ، وأن ينقّب فيه ويتفحّصه .
جاء في "مطالب أولي النهى" (1/116) : " وَلَا يَضُرُّ وَسَخٌ يَسِيرٌ تَحْتَ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ ، كَدَاخِلِ أَنْفِهِ ، وَلَوْ مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ عَادَةً ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ مَعَهُ لَبَيَّنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
وَأَلْحَقَ بِهِ - أَيْ: بِالْوَسَخِ الْيَسِيرِ - الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابن تيمية : كُلَّ يَسِيرٍ مَنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ ، كَدَمٍ وَعَجِينٍ فِي أَيِّ عُضْوٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ ، وَاخْتَارَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَحْتَ الظُّفْرِ .
وَيَدْخُلُ فِيهِ الشُّقُوقُ الَّتِي فِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ " انتهى .
ينظر جواب السؤال (27070) ، (227587) .
ثانيا :
المأمور به في كتاب الله هو غسل الوجه ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) المائدة/ 6.
وأما أسفل الذقن : فغير داخل في حد الوجه فلا يجب غسله .
قال الكاساني : "لِأَنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا يُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ , أَوْ مَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ فِي الْعَادَةِ , وَالْمُوَاجَهَةُ تَقَعُ بِهَذَا الْمَحْدُودِ" انتهى من "بدائع الصنائع" (1/3) .
وينظر جواب السؤال (129353) .
ثالثا :
الحديث المذكور في السؤال حديث مختلف فيه .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وأما حديث أنس فرواه أبو داود ، وفي إسناده الوليد بن زروان وهو مجهول الحال ...
وله طرق أخرى عن أنس ضعيفة " انتهى من "التلخيص الحبير" (1/86) باختصار .
وصححه ابن القيم في "تهذيب السنن" ، والألباني في "صحيح أبي داود" .
وعلى فرض صحته ، فيحمل الأمر فيه على الاستحباب ، جمعا بينه وبين الأدلة الأخرى ؛ إذ أكثر من حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم لم يذكر التخليل ، ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء , ولو فعله في كل وضوء لنقله من حكى صفة وضوءه ، وقصد استقصاءه وضبطه ، أو أكثرهم .
وينظر حكم تخليل اللحية في جواب السؤال (85031) .
رابعا :
تعيين المواد التي تمنع وصول الماء إلى البشرة مرجعه إلى الواقع ، وقد تأمل أهل العلم ذلك ، وخلصوا إلى أن المواد على نوعين :
النوع الأول : المواد التي لها " جِرم " : أي تبقى على شكل طبقة ، فعندما توضع على الجسم تبقى قائمة بنفسها متماسكة الأجزاء ، ويمكن إزالتها بتقشير أو مسح .
النوع الثاني : المواد التي " لا جِرم لها " : أي لا تشكل طبقة ، وإنما بمجرد وقوعها أو وضعها على الجسم تفقد تماسكها وتنحل ، وتتشربها البشرة ، ولا يبقى لها جسم قائم بذاته ، وإنما يبقى أثرها كاللون مثلا .
وينظر جواب السؤال (240518) .
وبناء على ذلك يقال :
إذا كان الوسخ له جِرم ، يعني : طبقة كثيفة على الجلد ، بحيث يمنع وصول الماء إلى الجلد : وجب إزالته عند الوضوء .
وإذا كان مجرد لون ، أو كان له جرم ، لكن قليل يزول مع الماء : فلا يمنع صحة الوضوء .
والله أعلم .