الحمد لله.
أولا:
الزنا كبيرة من كبائر من الذنوب ، وجريمة من أقبح الجرائم ، قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ) الإسراء / 32 .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) سورة الفرقان/68، 69
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزنا بمسلمة أو غير مسلمة .
وهذه الجريمة لا يقتصر خطرها على عقاب الدنيا العاجلة فقط، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم؛ فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري ( 7047) عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي قال : فانطلقنا حتى إذا أتينا على مثل التنور ، فإذا فيه لغَط وأصوات ، قال : فاطّلعنا فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم اللهب : ضَوضَوْا ، قال قلت لهما ما هؤلاء ، فقالا لي : وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني ..)
( والتنور : هو الكانون أو الفرن الذي يخبز فيه ) .
ومعنى ضَوْضَوْا : أي ارتفع صوتهم ولغطهم .
فالواجب على من وقع في هذه المعصية العظيمة أن يتوب إلى الله توبة نصوحا ، وأن يبتعد عن كلّ ما يؤدي به إلى الحرام والعودة إليه ، والله تعالى يفرح بتوبة العاصين ويقبل منهم ، قال سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .
قال ابن كثير رحمه الله : "هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة ، من الكفرة وغيرهم ، إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها ، وإن كانت مهما كانت ، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/106).
ثانيا:
الزواج يشترط لصحته الإيجاب والقبول ، وأن يعقده ولي المرأة في وجود شاهدين مسلمين، ولا يشترط التوثيق في الجهات الرسمية.
والظاهر من كلامك أنك لم تتزوج المرأة بل عشت معها في الحرام وأنجبت منها طفلين، وهذان الطفلان من الزنا لا ينسبان إليك، ولا يلزمك تجاههما شيء من الحقوق أو الواجبات .
وينظر: جواب السؤال رقم (85043).
ولا مانع من الإحسان إليهما فهما في حكم الأيتام بشرط ألا يكون هذا سببا في العودة إلى الحرام مع أمهما.
ثالثا:
أما المرأة التي تزوجتها فلا حرج في إبقائها في عصمتك ، إذا كانت قد تابت واستقامت ، وقطعت علاقتها بالرجال، فإن عادت لشيء من ذلك لم يجز إمساكها لما في ذلك من الدياثة، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ) رواه أحمد (5372) من حديث ابن عمر، وصححه الألباني قي صحيح الجامع، وصححه شعيب في تحقيق المسند.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ أَبَدًا: الدَّيُّوثُ ، وَالرَّجُلَةُ مِنَ النِّسَاءِ، وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَّا مُدْمِنُ الْخَمْرِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ ، فَمَا الدَّيُّوثُ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يُبَالِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ، قُلْنَا: فَمَا الرَّجُلَةُ مِنْ النِّسَاءِ؟ قَالَ الَّتِي تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ).
قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني ورواته لا أعلم فيهم مجروحا وشواهده كثيرة. وقال الألباني: صحيح لغيره. انتهى من صحيح الترغيب والترهيب (2/ 299).
وينبغي أن تجتهد في دعوتها للخير وتثبيتها على الاستقامة، ووقايتها من أسباب الفساد، فإنك مسئول عنها يوم القيامة. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/6.
وعَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (7138) ومسلم (1829).
وروى البخاري (7151) ومسلم (142) عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ الْمُزنِيَّ رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).
رابعا:
الاستقامة والثبات على الدين وتحصيل الخشوع، لها وسائلها الكثيرة، ومنها سؤال الله تعالى والإقبال عليه، وكثرة النوافل، ومصاحبة الصالحين .
وقد ذكرنا شيئا من ذلك في أجوبة سابقة، فانظر: جواب السؤال رقم (127067) ورقم (174803) ورقم (147626) ورقم (132081) ورقم (129871).
نسأل الله أن يتقبل توبك، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.