الحمد لله.
أولا :
من لم يجد ماء إلا ما يكفيه لشرابه وطعامه ، فهو كفاقد الماء ، يجزئه التيمم لرفع حدثه وجنابته.
وكذلك لو ظن حاجته له في المستقبل ؛ كالمسافر يخاف على نفسه نفاد الماء ؛ فيقتصر على التيمم لرفع حدثه الأصغر والأكبر ؛ ويحبس الماء الذي معه لحاجة مطعمه ومشربه وغسل نجاسة واجبة في ثوبه أو بدنه .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/259) :
" يَتَيَمَّمُ وَلا يُعِيدُ مَنِ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ الْمَاءَ الَّذِي مَعَهُ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِنَحْوِ عَطَشِ إِنْسَانٍ مَعْصُومِ الدَّمِ ، أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ شَرْعًا - وَلَوْ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةٍ - عَطَشًا مُؤَدِّيًا إِلَى الْهَلاكِ أَوْ شِدَّةِ الأَذَى ، وَذَلِكَ صَوْنًا لِلرُّوحِ عَنِ التَّلَفِ ...
وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْحَاجَةُ لِلْمَاءِ لِلشُّرْبِ ، أَمِ الْعَجْنِ ، أَمِ الطَّبْخِ .
وَمِنْ قَبِيلِ الاحْتِيَاجِ لِلْمَاءِ: إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا، بِهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى الْبَدَنِ أَمِ الثَّوْبِ..." انتهى .
وقال ابن قدامة :
" قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ ، وَخَشِيَ الْعَطَشَ ، أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ ، وَيَتَيَمَّمُ ... َلأَنَّهُ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ، فَأُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ ، كَالْمَرِيضِ " انتهى من "المغني" (1/195) .
وقال في "أسنى المطالب" (1/78) :
" قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوِيهِ : قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إنَّ حَاجَةَ الْعَطَشِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوُضُوءِ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثَالا ، وَيَلْحَقُ بِهِ حَاجَةُ الْبَدَنِ بِغَيْرِ الشُّرْبِ ، كَالاحْتِيَاجِ لِلْمَاءِ لِعَجْنِ دَقِيقٍ ، وَلَتِّ سَوِيقٍ ، وَطَبْخِ طَعَامٍ بِلَحْمٍ ، وَغَيْرِهِ " انتهى .
وقال ابن حجر الهيتمي :
" وُجُودَ الْمَاءِ مَعَ الاحْتِيَاجِ إلَيْهِ ، حَالا أَوْ مَآلا : كَفَقْدِهِ الْحِسِّيِّ ، وَأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَنَّهُ لا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِمْ : كَانَ كَفَقْدِهِ " انتهى من "الفتاوى الفقهية" (1/69) .
وفي "كشاف القناع"(1/164) :
" وَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِـ ( عَطَشٍ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ ) كَانَ الْعَطَشُ ( مُتَوَقَّعًا ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي السَّفَرِ ، فَتُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ وَمَعَهُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ ، يَخَافُ أَنْ يَعْطَشَ : " يَتَيَمَّمُ ، وَلا يَغْتَسِلُ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ . وَلأَنَّهُ يَخَافُ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ أَشْبَهَ الْمَرِيضَ ، بَلْ أَوْلَى " .
وسئل الشيخ ابن عثيمين : إذا كنت في الخلاء ، ولم يكن بحوزتي ماء إلا قليل الذي يكفيني للشرب فقط ، هل أتوضأ منه أم أتيمم ؟
فأجاب :
إذا كان مع الإنسان ماء يحتاجه للشرب ، وحان وقت الصلاة ، وليس عنده سوى هذا الماء : فإنه يتيمم ؛ لأنه محتاج إلى هذا الماء ، ودفع الضرورة أمر مطلوب والله تبارك وتعالى أباح للإنسان أن يتيمم إذا لم يجد ماء ، وهذا الماء الذي يحتاجه لشربه وجوده كالعدم بالنسبة للوضوء به " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (16/261) بترقيم الشاملة .
ثانيا :
إذا أُبيح التيمم فإنه يقوم مقام الوضوء والاغتسال ، فيتيمم الجنب ويصلي ، ثم إذا وجد الماء وجب عليه الاغتسال .
وإذا أراد أن يجامع أهله ، فلا يمنع من ذلك لعدم الماء ، بل يأتي أهله ويتيمم .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :
إذا أراد زوج امرأة الجماع ويُخاف من البرد عليه وعليها ، هل له أن يتيمم ؟ أم يترك الجماع ؟ وهل للمرأة أيضا منع الزوج من الجماع إذا كانت لا تقدر على الغسل ؟ أم تطيعه وتتيمم ؟
فكان مما أجاب به :
" ليس للمرأة أن تمنع زوجها من الجماع . بل له أن يجامعها ، فإن قدرت على الاغتسال ، وإلا تيممت ...
وكذلك الرجل : إن قدر على الاغتسال ، وإلا تيمم ، وله أن يجامعها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/451) .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
" .. المسافر العادم للماء : يجوز له أن يفعل كل ما يباح له في حال وجود الماء ، من جماع زوجته وتقبيلها وغير ذلك .
وإذا وجب عليه غسل من الجنابة : فإنه يتيمم إذا لم يجد الماء .
وإذا تيمم فإن جنابته ترتفع ، لكنه ارتفاع مؤقت إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" .
وينظر جواب السؤال (87984) .
والخلاصة : إذا كنت محصورا في بيتك لأجل الحرب ، ولم يبق معك من الماء إلا ما تحفظه لحاجاتك الأصلية ، وخشيت أن لا تقدر على تحصيله ، فيجوز لك التيمم من الحدث الأصغر والأكبر.
والله أعلم .