الحمد لله.
أولا :
إذا كانت والدتك تضيق من ارتدائك الحجاب ومحافظتك على الصلاة وتمسكك بإسلامك ، وترغب منك البقاء على حالك الأولى بعيدة عن الحجاب والحشمة وعدم المبالاة بأمر الإسلام والإيمان ، فيجب عليك أن لا تطيعيها ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإن جاهدتك والدتك على ذلك ، فلا تطيعيها ، وصاحبيها في الدنيا بالمعروف .
وإن كانت قد دعت عليك بسبب ذلك ، فهذا دعاء بغير حق فلا يستجاب ؛ لما روى مسلم (2735) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ ، قَالَ : يَقُولُ : ( قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) .
سئل الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله : " هل تستجاب دعوة الوالد على ولده إذا كان الوالد على خطأ والولد على صواب ؟
فأجاب: لا تستجاب دعوتهما [أي : والديه] ما دام أن الولد على حق ، والوالد على خطأ ، فإن الله لا يستجيب دعوته ، فإن العقوق من الولد لوالديه : إذا كان لم يقم بواجبهما ، أو قصر في حقوقهما ، أما مجرد أن الأب يأمر ولده ، أو ينهاه فيما لا مصلحة فيه : هذا لا يلزم الولد قبوله ، كما لو قال الأب لابنه : طلق زوجتك بدون سبب ، فلا يلزم الابن ذلك استجابة لطلب أبيه أو أمه ، فامتناعه عن هذا لا يسمى عقوقاً ، ولو دعوا عليه ، فإنه لا يأثم ولا حرج إن شاء الله والله أعلم " انتهى من " فتاوى الشيخ "عبدالله بن حميد" (ص30) .
ثانيا :
أما قصة جريج فقد رواها البخاري (3436) ومسلم (2550) – واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي . فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي فَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي ، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ ، فَرَجَعَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي . قَالَ : اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي ، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ . فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَهُوَ ابْنِي وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي ، اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ . قَالَ : وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ ... ) الحديث .
وقد استجيب دعاء أم جريج عليه ؛ لأنه أخلّ بحقها ؛ إذ كان الواجب عليه أن يقطع صلاته أو يخففها ويجيبها ، وأما أنت فبعكس ذلك ؛ لأن الواجب عليك أن لا تطيعيها ؛ ولذلك لا يستجاب لها فيك .
بوّب النووي رحمه الله لحديث جريج : " باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها "
وقال في شرحه :
" قَالَ الْعُلَمَاء : كَانَ الصَّوَاب فِي حَقّه إِجَابَتهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاة نَفْل , وَالِاسْتِمْرَار فِيهَا تَطَوُّع لَا وَاجِب , وَإِجَابَة الْأُمّ وَبِرّهَا وَاجِب , وَعُقُوقهَا حَرَام , وَكَانَ يُمْكِنهُ أَنْ يُخَفِّف الصَّلَاة وَيُجِيبهَا ثُمَّ يَعُود لِصَلَاتِهِ ... " انتهى .
وينظر : "فتح الباري" ، للحافظ ابن حجر رحمه الله ، "الموسوعة الفقهية" (20/342) .
وينظر جواب السؤال (151653) .
والله أعلم .