الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

والدتها تدعو عليها لتمسكها بحجابها فهل يستجاب لها ؟

268423

تاريخ النشر : 04-07-2017

المشاهدات : 13854

السؤال

قرأت أن الدعاء بالشر من الأم مستجاب بلا ريب ، استنادًا إلى قصة جريج ؛ىالذي لم يجب أمه في أثناء الصلاة ، ودعت عليه ، وفيما بعد أصابه دعاؤها ، أعلم أن عصيان المرء ، وعدم احترامه لوالديه هو الذنب الأعظم الثاني بعد الشرك ، ولطالما احترمت أمي ، ووافقت على كل شيء تقرره من أجلي ، ولم أتشاجر، أو أتجادل معها، ودائمًا ما أطلب إذنها قبل القيام بشيء باستثناء مرة واحدة في حياتي ، لقد كان ذلك قبل 10 سنوات ،عندما دعت عليّ أمي دعاءً به شرُ كبير، إذ قالت: "لتحترقي إلى رماد في جهنم" ، وكانت غاضبة جدًا في ذلك الوقت ، وتمنت لي أمانٍ سيئةٍ جدًا ، ولكن "الحرق إلى رماد في جهنم" كان أسوأها ، والسبب في ذلك هو أنني تزوجت من رجلٍ متدين ليس من العائلة نفسها، وقد ذهبت إلى أمريكا ، وكنت أعمل مع الكفار ، وأحصل على راتب جيدٍ جدًا، ولكن الله هداني وـ الحمد لله ـ ، وبدأت بإرتداء الحجاب ، وأداء الصلاة باستمرار ، وتعلم المزيد عن الإسلام ،وقد تركت وظيفتي وأمريكا لتكوين أسرة من الحلال ، ولكن كانت أمي معارضة لهذا ، ولارتدائي للحجاب ، على الرغم من أنها تؤدي الصلوات الخمس ، وتصوم رمضان ، وفي الوقت نفسه تحتفل بعطلات الكفار ، وتشرب الخمر ، وتستمع إلى الموسيقى ، ومن وجهة نظرها فقد أصبحت "وهابية" متطرفة كما يلقبوننا، وقد أخبرتها بالزواج عن طريق الهاتف فصُدِمت ، وبدأت بالدعاء عليّ ، وأنا أفكر دائمًا فيما لو ضاعت جميع عباداتي بسبب دعاء أمي عليّ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

إذا كانت والدتك تضيق من ارتدائك الحجاب ومحافظتك على الصلاة وتمسكك بإسلامك ، وترغب منك البقاء على حالك الأولى بعيدة عن الحجاب والحشمة وعدم المبالاة بأمر الإسلام والإيمان ، فيجب عليك أن لا تطيعيها ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإن جاهدتك والدتك على ذلك ، فلا تطيعيها ، وصاحبيها في الدنيا بالمعروف .

وإن كانت قد دعت عليك بسبب ذلك ، فهذا دعاء بغير حق فلا يستجاب ؛ لما روى مسلم (2735) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ ، قَالَ : يَقُولُ : ( قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) .

سئل الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله : " هل تستجاب دعوة الوالد على ولده إذا كان الوالد على خطأ والولد على صواب ؟
فأجاب: لا تستجاب دعوتهما [أي : والديه] ما دام أن الولد على حق ، والوالد على خطأ ، فإن الله لا يستجيب دعوته ، فإن العقوق من الولد لوالديه : إذا كان لم يقم بواجبهما ، أو قصر في حقوقهما ، أما مجرد أن الأب يأمر ولده ، أو ينهاه فيما لا مصلحة فيه : هذا لا يلزم الولد قبوله ، كما لو قال الأب لابنه : طلق زوجتك بدون سبب ، فلا يلزم الابن ذلك استجابة لطلب أبيه أو أمه ، فامتناعه عن هذا لا يسمى عقوقاً ، ولو دعوا عليه ، فإنه لا يأثم ولا حرج إن شاء الله والله أعلم " انتهى من " فتاوى الشيخ "عبدالله بن حميد" (ص30) .


ثانيا :

أما قصة جريج فقد رواها البخاري (3436) ومسلم (2550) – واللفظ له - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي . فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي فَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي ، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ ، فَرَجَعَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي . قَالَ : اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي ، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ . فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَهُوَ ابْنِي وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي ، اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ . قَالَ : وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ ... ) الحديث .

وقد استجيب دعاء أم جريج عليه ؛ لأنه أخلّ بحقها ؛ إذ كان الواجب عليه أن يقطع صلاته أو يخففها ويجيبها ، وأما أنت فبعكس ذلك ؛ لأن الواجب عليك أن لا تطيعيها ؛ ولذلك لا يستجاب لها فيك .

بوّب النووي رحمه الله لحديث جريج : " باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها "

وقال في شرحه :

" قَالَ الْعُلَمَاء : كَانَ الصَّوَاب فِي حَقّه إِجَابَتهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاة نَفْل , وَالِاسْتِمْرَار فِيهَا تَطَوُّع لَا وَاجِب , وَإِجَابَة الْأُمّ وَبِرّهَا وَاجِب , وَعُقُوقهَا حَرَام , وَكَانَ يُمْكِنهُ أَنْ يُخَفِّف الصَّلَاة وَيُجِيبهَا ثُمَّ يَعُود لِصَلَاتِهِ ... " انتهى .

وينظر : "فتح الباري" ، للحافظ ابن حجر رحمه الله ، "الموسوعة الفقهية" (20/342) .

وينظر جواب السؤال (151653) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب