الحمد لله.
أولا:
يحرم على الرجل حلق لحيته ، للأدلة الآمرة بإعفائها ، وتوفيرها ، وترك التعرض لها بحلق أو جز ونحوه . عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ..." . وذكر الحديث . رواه مسلم (261) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ " . رواه البخاري (5892) ومسلم (259) .
قال النووي رحمه الله : " وَأَمَّا إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَمَعْنَاهُ تَوْفِيرُهَا وَهُوَ مَعْنَى أَوْفُوا اللِّحَى فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْفُرْسِ قَصُّ اللِّحْيَةِ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ " انتهى، من "شرح مسلم" (3/149) .
وقال ابن الهمام الحنفي رحمه الله ، في الإنكار على من يحلق لحيته ، أو يأخذ غالبها : " يُحْمَلُ الْإِعْفَاءُ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا ، كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ ،كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ . وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ هَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ ؛ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ . وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ " . انتهى، من "فتح القدير" (4/370) ، وتابعه الزيلعي في "تبيين الحقائق" (1/332) ، وابن عابدين في "رد المحتار" ، كأصله أيضا : (2/418) ، وغيرهم .
وقد سبق الكلام على اللحية وحكم حلقها في أجوبة كثيرة في الموقع .
ينظر جواب السؤال رقم 219947
ثانيا:
إذا كان صاحبك يأخذ بالتحريم، فلا يجوز له أن يحلق لحيته بنفسه، ولا أن يطلب من غيره حلقها له، ولا يجوز لك أن تحلقها له؛ لأنك بذلك تعينه على ما يعتقده حراما، بل يلزمك الإنكار عليه، حتى لو كنت ترى الإباحة أو الكراهة، فكيف تعينه على ما يلزمك الإنكار عليه فيه.
وقد قال تعالى في تحريم الإعانة على الإثم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
وهنا قاعدة: وهي أن من رأى إباحة شيء أو كراهته، فليس له أن يعين عليه من يرى تحريمه، بل يلزمه الإنكار عليه.
وقد نبه على هذا بعض الفقهاء في كلامهم على اللعب المختلف فيه كالشطرنج، فليس لمن يرى الإباحة أن يلعب به مع من يرى التحريم، بل يلزمه الإنكار عليه، ولا يجوز إعانته فيه.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: " (يكره بشطرنج) ... (فإن) (شرط فيه) أي اللعب بالشطرنج (مال من الجانبين) على أن من غلب من اللاعبين فله على الآخر كذا (فقمار) فيحرم بالإجماع ... وكذا إذا لعب به مع معتقد التحريم ، كما رجحه السبكي وغيره" انتهى.
وقال الرملي في نهاية المحتاج (10/ 217): " نعم محلها [أي إباحة اللعب بالشطرنج] إن لعب مع معتقد حله، وإلا حرم، كما رجحه السبكي والأذرعي والزركشي وغيرهم وهو ظاهر؛ لأنه يعينه على معصية حتى في ظن الشافعي؛ لأنا نعتقد أنه يلزمه العمل باعتقاد إمامه... ولأنه أعني الشافعي يلزمه الإنكار عليه ، لما مر أن من فعل ما يعتقد حرمته : يجب الإنكار عليه، ولو ممن يعتقد إباحته، وبهذا يندفع ما وقع لبعضهم من النزاع في ذلك" انتهى.
وسئل السخاوي رحمه الله: " عمن قال لا يجب على المرء إنكار ما لم يجمع على تركه، هل هو صحيح أم لا؟
فاجاب: " أفاد بعض المحققين أن شرط إنكار المنكر أن يكون الإجماع قد وقع على تركه، قال: واستثنوا أربع صور:
الأولى: من يعتقد التحريم، كواطئ الرجعية، وشارب النبيذ ولو لم يسكر.
الثانية: الحاكم، فإنه يحكم بما يؤدي إليه اجتهاده، ومن ثم قال الشافعي: أحدّ شارب النبيذ ولو كان يعتقد حله، وأقبل شهادته.
الثالثة: إذا كان الخلاف واهيًا ، بحيث ينتقض بمثله الحكم.
الرابعة: الزوج يمنع زوجته مما يعتقد تحريمه وإن اعتقدت حله، كما لو شربت المسلمة النبيذ، وكذا الذمية لو شربت الخمر على الصحيح. والله أعلم" انتهى من الأجوبة المرضية للسخاوي (1/ 116).
والحاصل :
أن الواجب عليك الإنكار على صاحبك حلق لحيته، لأنه يعتقد تحريم حلقها، ولا يجوز لك أن تعينه على ذلك.