الحمد لله.
شراء البيوت أو غيرها بالتقسيط عن طريق البنوك أو عن طريق هذا المكتب بالطريقة التي ذكرتها ، يتم بطريقتين :
الأولى :
أن يكون دور الوسيط بين البائع والمشتري ( سواء كان بنكًا أم مكتبا أم شركة ..) هو مجرد التمويل ، بأن يدفع الثمن للبائع نيابة عن المشتري ، أو يعطيه للمشتري ليقوم بدفعه إلى البائع ، ثم يسترد الثمن من المشتري بزيادة متفق عليها .
وهذه المعاملة ربا ، لأن حقيقتها أن المكتب أقرض المشتري الثمن، ثم استرده بزيادة مشروطة ، وهذا ربا بإجماع العلماء ، قال ابن قدامة رحمه الله الله تعالى : "وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا .
وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" .
انتهى من "المغني" (6/436) .
الطريقة الثانية :
أن يشتري المكتب البيت من البائع نقدا، ثم يبيعه على المشتري بالتقسيط ، وهذه الطريقة جائزة إذا توفرت فيها شروط ، وهي :
أن تخلو المعاملة من اشتراط أي زيادة في الأقساط إذا تأخر المشتري في السداد ، لأن هذا هو ربا الجاهلية المجمع على تحريمه بين العلماء .
أن لا تبيع الشركة البيت على المشتري إلا بعد أن تشتريه فعلا من البائع ، وتقبضه قبضا حقيقيا .
والقبض في العقار : يكون برفع يد البائع عنه ، والتخلية بينه وبين المشتري ، ينتفع به ، ويتصرف فيه بما شاء من وجوه التصرف .
فإن باعته الشركة قبل شرائه : فقد باعت ما لا تملك . وهو محرم .
وإن باعته بعد شرائه ، وقبل قبضه : فقد باعت ما لم يدخل في حيازتها ، وتحت تصرفها : وهو محرم أيضا .
عن حكيم بن حزام، قال : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي ، أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنْ السُّوقِ ؟ فَقَالَ: ( لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ )" رواه أبو داود (3503)، الترمذي (1232) ، النسائي (4613) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (5/132).
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ليمضي ويشتريها، ويسلمها ، وهو قول الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا؛ لأن حكيم بن حزام – الحديث - ..." انتهى من "المغني" (6 / 296).
وتكون المعاملة في هذه الحالة حيلة على الربا ، لأن الصورة بيع ، ولكن حقيقتها ربا .
وفي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) رواه البخاري (2133) ، ومسلم (1525) وزاد : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ " .
أي : أن هذا النهي ليس خاصا بالطعام ، بل أي شيء لا يجوز لمن اشتراه أن يبيعه حتى يقبضه .
وهذا الذي فهمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما باجتهاده ، قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على صحته ، وأن الحكم عام في الطعام وغيره ، فلا يجوز بيع شيء حتى يقبضه البائع ويدخل في حيازته .
ففي بعض ألفاظ حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه : أنه قَالَ للرسول صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا ، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ ، قَالَ : (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) رواه أحمد (15399) ، والنسائي (4613) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (342).
وروى أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ " وصححه ابن حبان ، والحاكم ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وينبني على هذا الشرط : أنه لا يجوز عقد البيع بين المكتب والمشتري ، قبل شراء المكتب للبيت ، كما لا يجوز إلزام المشتري بالشراء ، بأن يؤخذ منه مقدم أو عربون أو مبلغ من المال لضمان شرائه البيت وعدم رجوعه .
فإذا توفر الشرطان المذكوران : فالمعاملة جائزة ؛ حتى وإن كان المكتب يمول شراءه لهذه المنازل من القروض الربوية من البنوك ؛ فإن ذلك لا يمنع صحة البيع والشراء معه ؛ وإثم القرض الربوي على المكتب ، وفساده عليه ؛ غير أن ذلك لا يمنع شراء المنزل منه .
وإن تخلف أي من الشرطين المذكورين : لم تصح المعاملة معه .
وينظر لمزيد الفائدة والتفصيل الأسئلة (140603)، (36408)، (216813)، (229091) .
والله أعلم .