قصة مقولة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا

31-03-2018

السؤال 279025

استفساري عن القصة المشهورة لدى الناس عن عمر بن الخطاب عندما قال لعمرو بن العاص وهو والي لمصر "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ " فقرأت في بعض القنوات العلمية أن هذه القصة قد لا تكون صحيحة، فهل هذه القصة صحيحة، ويمكن نقلها للناس؟ أرجو التفصيل فيها.

ملخص الجواب:

قصة مقولة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ المنسوبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه غير صحيحة، ولا ينبغي أن تروى، لما فيها من عدوان على مقام الصحابة رضي الله عنهم.

الجواب

الحمد لله.

هذه القصة غير ثابتة، وبيان ذلك فيما يلي:

قال أبو العرب مُحَمدُ بنُ أَحمدَ بنِ تَمِيم المَغرِبيّ في "كتاب المحن" (ص: 317):

"حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ عُمَرَ بِمِنًى، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّنِي استبقت أَنا وَمُحَمّد بن عَمْرو بن الْعَاصِ فسبقته، فَعدا عَلَيَّ فَضَرَبَنِي بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْكَرِيمَيْنِ، فَجِئْتُ أَبَاهُ أَسْتَأْذِنُهُ فِيمَا صَنَعَ بِي، فَحَبَسَنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَخَرَجْتُ فِي حَاجِّ الْمُسْلِمِينَ فَجِئْتُ إِلَيْكَ لِتَأْخُذَ مَظْلَمَتِي، فَقَالَ: أَعْجِلْ عَلَيَّ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِهِ، قَالَ فَأُوتِيَ بِهِمَا قَالَ عُمَرُ: وَيْحَكَ مَا بَيِّنَتُكَ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ الْجُنْدُ كُلُّهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ وَافَى الْحَاجَّ مِنْهُمْ، فَسَأَلَ النَّاسَ فَأَخْبَرُوهُ ذَلِكَ، فَدَعَا بِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، فَجُرِّدَ مِنْ ثِيَابِهِ، ثُمَّ أَمْكَنَ الْمِصْرِيَّ مِنَ السَّوْطِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: اضْرِبْ، فَضَرَبَ الْمِصْرِيُّ وَعُمَرُ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنْتَ ابْنُ اللَّئِيمَيْنِ. حَتَّى تَرَكَهُ، قَالَ: وَنَحْنُ وَاللَّهِ مَا نَشْتَهِي أَنْ يَزِيدَهُ، حَتَّى نَزَعَ عَنْهُ، وَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضَرَبْتَهُ مَا أَمْسَكْتُ يَدَكَ عَنْهُ مَا ضَرَبْتَ، ثُمَّ قَالَ: عَلَيَّ بِعَمْرٍو، فَأُوتِيَ بِهِ شَيْخٌ أَصْلَعُ فَمُزِّقَتْ ثِيَابُهُ وَنَحْنُ وَاللَّهِ نَشْتَهِي أَنْ يُوجِعَهُ ضَرْبًا، ثُمَّ قَالَ: اضْرِبْ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ حَبَسَنِي وَلَمْ يَضْرِبْنِي، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبْتَهُ مَا أَمْسَكْتُ يَدَكَ عَنْهُ مَا ضربت، وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنْ تُرِيدُونَ إِلا أَنْ تَرِدُوا النَّاسَ خَوَلا ".

وهذا إسناد ضعيف، لجهالة شيخ ابن إسحاق، وإذا روى ابن إسحاق عن المجهولين فربما أتى بأحاديث باطلة، قال ابن نمير: إذا حدث عن من سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أُتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة.

وقال الإمام أحمد: قدم ابن إسحاق بغداد، فكان لا يبالي عمن يحكي، عن الكلبي وغيره. "تهذيب التهذيب" (9/ 42)

والكلبي: كذاب.

وله شاهد يرويه ابن عبد الحكم في "الفتوح" (ص: 195)، فقال:

حُدّثنا عن أبى عبدة، عن ثابت البنانيّ وحميد، عن أنس قال: " أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطّاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربنى بالسّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الألأمين، قال أنس: فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحبّ ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنّينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني ".

وهذا إسناد لا يحتج به، لجهالة من حدث به ابن عبد الحكم، وجهالة أبي عبدة راويه عن ثابت.

ولو كان هذا ثابتا عن ثابت وحميد عن أنس، فأين أصحابهما الثقات الأثبات – وما أكثرهم – عنه، حتى يتفرد به هذا المجهول؟ فبان بذلك أنه خبر منكر.

وقال الشيخ علوي السقاف في "تخريج أحاديث وآثار الظلال" (ص: 197)

" إسناده ضعيف، رواها ابن عبد الحكم في "فتوح مصر"، فقال: حُدِّثنا عن أبي عبدة عن ثابت البناني وحميد عن أنس.

ويظهر من السند أن فيه انقطاعا بين ابن عبد الحكم وأبي عبدة، وأبو عبدة لا أدري من هو " انتهى.

 

ولمزيد الفائدة عن صحة بعض الآثار والقصص المنسوبة إلى عمر بن الخطاب، ينظر هذه الأجوبة: 177910، 131089، 237679.

والله تعالى أعلم.

الأحاديث الضعيفة التاريخ والسيرة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب