الحمد لله.
أولاً:
يجب على المرأة طاعة زوجها ؛ لما له من حق القوامة عليها ، قال تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ النساء/34 .
قال ابن كثير رحمه الله : " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( الرجال قوامون على النساء ) . يعني : أمراء عليهن ، أي : تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله ، حافظة لماله .
وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك " انتهى من " تفسير ابن كثير " (2/293) .
ويستثنى من وجوب طاعة المرأة لزوجها أمران :
الأمر الأول : أن يترتب على طاعته الوقوع في المعصية ، إما بترك واجب أو فعل محرم ، ففي هذه الحال لا يجوز للمرأة طاعة زوجها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رواه البخاري ( 6830 ) ، ومسلم ( 1840 ) .
الثانية : أن يترتب على طاعة الزوج حصول الضرر على المرأة ، أو تضييع لحقوقها ، ففي هذه الحال لا يجب عليها طاعة زوجها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ رواه ابن ماجة (2340) وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
وينظر جواب السؤال رقم : (97125).
ثانيا:
من حقوق المرأة على زوجها أن يعينها على طاعة الله تعالى ، وأن لا يمنعها من فعل ما يقربها من ربها ما دام لا يؤثر ذلك على حقه عليها ، ومن ذلك أن يتركها تتعبد لله تعالى بحفظ كتاب الله ومراجعته .
وقد روى البخاري (900) ، ومسلم (442) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ .
قال الحافظ ابن رجب: " الزوج منهيٌ عن منعها إذا استأذنته ، وهذا لا بد من تقييده بما إذا لم يخف فتنةً أو ضرراً . وقد أنكر ابن عمر على ابنه لما قال له : "والله لنمنعهن" ، أشد الأنكار ، وسبه ، وقال له : تسمعني أقول : قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقول : لنمنعهن؟! " انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (8/ 53).
وجاء في فتاوى "اللجنة الدائمة" (7/332) : " يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي في المساجد ، وليس لزوجها إذا استأذنته أن يمنعها من ذلك، ما دامت مستترة ، ولا يبدو من بدنها شيء مما يحرم نظر الأجانب إليه ؛ لما رواه ابْنَ عُمَرَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ )..." انتهى.
هذا مع ما فيه من خروجها من البيت ، وانتظارها إقامة الصلاة ، وقد تطول مدة ذلك؛ ولا شك أن حفظ المرأة للقرآن في بيتها، أو اشتغالها بما ينفعها من علم ، أو ذكر ، أو عبادة : أولى بأن ينهى الرجل عن منعها منه ، بعد أن لا تفرط فيما يجب من حقه ، وحق أولاده .
وليعلم الزوج أن حفظ زوجته لكتاب الله تعالى سيعود بالبركة على البيت ومن فيه ، وبالنفع على أولاده ؛ لأن الأطفال غالبا يتعلمون ويحفظون من حفظ أمهم ، وهذا سيوفر على الزوج جهدا كبيرا في تعليم أولاده القرآن ، إذ تكون الزوجة قد تكفلت بهذا .
ويعود بالنفع على الزوج أيضًا ؛ إذ إن تعلم القرآن وفهمه يزيد من الإيمان ، وتتعلم المرأة منه أحكام الدين ، وإذا زاد إيمان المرأة وعرفت أحكام دينها ؛ زاد حرصها على طاعة زوجها ، وحسن تبعلها ومعاشرتها له ؛ لعلمها أن ذلك من طاعة الله تعالى .
ولكن ربما لا يقصد الزوج منع زوجته من حفظ القرآن ومراجعته بالكلية ، وإنما يقصد منعها من ذلك حال وجوده في المنزل فقط ؛ لأنه يريد أن يجلس معها وقتا أطول أو نحو ذلك ، فحينها ينبغي عليها أن توازن بين حاجة الزوج إلى زوجته ، وحاجته إلى الأنس بها ، فتطيعه وتؤجل مراجعة القرآن لوقت غيابه عن المنزل ، أو وقت نومه وراحته ، أو نحو ذلك .
وإذا قدر أنه لا حاجة بالزوج إلى زوجته في وقت ما ، وكانت تعلم أن انشغالها هذا الوقت يغضبه ، أو يثير مشكلة في البيت ، فالذي ننصحها به أن تكون حكيمة في إدارة بيتها ، والترفق بزوجها ، ولا تعين الشيطان عليه ؛ فتجعل ذلك الوقت إلى ما لا بد لها من عمله في بيتها ، ومراعاة أولادها ، وحق زوجها ، ليكون وقتها فارغا ، إذا خرج زوجها لعمله ، أو حاجات الرجل خارج بيته : تفرغ هي لكتاب ربها ، فتقرأ ، وتراجع ، وتحفظ ، من دون إثارة مشكلات ، ولا تعكير لصفو البيت ، ولا إعانة للشيطان على أهله . وقد قال الله تعالى، منبها لعباده على أهمية الحكمة في الأمر كله : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ البقرة/269 .
والله تعالى أعلم .