الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

الاختلاف بين الزوجين في المسائل الخلافية

97125

تاريخ النشر : 08-02-2007

المشاهدات : 67424

السؤال

كيف يكون التصرف في حال أراد أحد الزوجين القيام بشيء فيه خلاف بين الفقهاء ، وكان كل منهما يؤيد فتوى مختلفة عن الآخر ؟ .

الجواب

الحمد لله.


الواجب على الزوجة طاعة زوجها إلا أن يكون في ذلك في معصية ، أو فيما يضرها ، أو يضيع حقوقها ، فإنها لا تطيعه .
وأما المسائل الخلافية التي تكون بين العلماء ويكون للزوجة فيها ترجيح يختلف عن ترجيح الزوج فيأمرها بخلاف ترجيحها واعتقادها : فإن هذا يختلف باختلاف المسألة نفسها :
1. فإن كانت تتعلق بعبادتها – الواجبة أو المستحبة - من حيث الحكم أو الكيفية ، وكان ذلك لا يؤثِّر على الزوج في تضييع حقوقه ، ولم يكن في فعلها إساءة له : فلا يجب عليها أن تفعل ما ليست مقتنعة به إن أمرها زوجها أن تفعله ، ومثال ذلك : زكاة الذهب ، فإن كانت تعتقد وجوب زكاة الذهب ولو اتخذ للزينة – كما هو الراجح - : فإنه ليس من حق الزوج أن تطيعه في عدم إخراج زكاة ذهبها ـ من مالها ـ إن كان يرى هو أنه لا زكاة واجبة على ذهب الزينة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
بعض الأزواج يمنع زوجته من إخراج زكاة حليها بناءً على القول الثاني الضعيف - الذي أشرنا إليه آنفاً - ، وهذا حرام عليه ، لا يحل للزوج ، ولا للأب ، ولا للأخ أن يمنع أحداً يريد أن يزكي ماله ، وعلى الزوجة أن تعصي زوجها بهذا ، وأن تخرج الزكاة رغماً على أنفه ؛ لأن طاعة الله أولى من طاعة الزوج ، وقضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وزوجها لا ينجيها يوم القيامة من عذاب الله عز وجل ، فتقول للزوج - مثلاً - إذا قال : هذه مسألة خلافية ، وأنا ما أعتقد الوجوب ، تقول : أنت لك اعتقادك ، وأنا لي اعتقادي ، أنا لا يمكن أن أترك الزكاة ، وأنا يترجح عندي أنها واجبة ، وفي هذه الحال يجب أن تعصيه طاعة لله عز وجل ، فإذا قالت : أخشى أن يغضب : فلنا عن ذلك جوابان :
أحدهما : أن نقول : وليكن ذلك ؛ لأن غضبه في رضى الله ليس بشيء .
والجواب الثاني : أن نقول : تداريه ، يعني : أخرجي الزكاة من حيث لا يعلم ، وبهذا تؤدين الزكاة الواجبة عليك وتسلمين من غضب الزوج وتنكيده عليك .
لكن نحن من هنا نخاطب الأزواج نقول لهم : اتقوا الله ! ما دامت الزوجة ترى الوجوب لا يحل لكم أن تمنعوها من أداء الواجب ، وكذلك الأب لو قال لابنته : لا تخرجي الزكاة أنا ما أرى وجوبها : فإنها لها الحق أن تقول : لا سمع ولا طاعة ، السمع والطاعة لله ولرسوله ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، لكن إذا خافت أن يغضب - لأن بعض الناس عقله ضعيف ، ودينه ضعيف - : فإنها تداريه ، وتُخرج بدون علمه .
جلسات رمضانية لعام 1412هـ السؤال رقم ( 5 ) .
ومثله أيضاً : ما يتعلق بكيفية الصلاة كالنزول على اليدين أو الركبتين ، أو القبض بعد الركوع وعدمه ، فإن مثل هذه المسائل لا تُلزم الزوجة برأي زوجها وترجيحها إن كانت تخالفه إلا أن ترى أن هذا يسعها ، أو تقتنع برأيه وترجيحه .
2. وإن كانت المسألة تتعلق بعبادة أو طاعة من النوافل تؤثر على حقوقه : فلا يجوز لها فعلها ، بل قد نهيت عن ذلك ، كما هو الحال في صيام التطوع دون إذنه ، وكما لو خرجت من بيتها لصلة رحم أو زيارة مباحة دون إذنه ؛ لأن في أفعالها تلك تضييعاً لحقوقه ، وهي غير آثمة بتركها ، بل تؤجر على طاعة ربها في إعطاء زوجها حقه بتركها من أجله .
قال ابن قدامة – رحمه الله - :
وله منعها من الخروج إلى حج التطوع والإحرام به بغير خلاف ، قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم على أن للرجل منع زوجته من الخروج إلى حج التطوع .
ولأنه تطوع يفوِّت حق زوجها ، فكان لزوجها منعها منه ، كالاعتكاف ، فإن أذن لها فيه : فله الرجوع ما لم تتلبس بإحرامه ، فإن تلبست بالإحرام : لم يكن له الرجوع فيه ، ولا تحليلها منه ؛ لأنه يلزم بالشروع ، فصار كالواجب الأصلي .
" المغني " ( 3 / 572 ) .
وقال – رحمه الله – في منع الزوج من عيادة والدي الزوجة - :
وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بدٌّ ، سواء أرادت زيارة والديها ، أو عيادتهما ، أو حضور جنازة أحدهما ، قال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة : طاعة زوجها أوجب عليها من أمها ، إلا أن يأذن لها ... .
ولأن طاعة الزوج واجبة ، والعيادة غير واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب لما ليس بواجب ، ولا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ، ولكن لا ينبغي للزوج منعها من عيادة والديها وزيارتهما ؛ لأن في ذلك قطيعة لهما ، وحملاً لزوجته على مخالفته ، وقد أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف ، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف .
" المغني " ( 8 / 130 ) .
3. وكل شيء مباح لها : فإن له أن يمنعها منه ، أو يُلزمها بقوله إن كان يراه حراماً ، ويتحتم ذلك عليها إن كان في فعلها إساءة لزوجها ، وتعريضه للإهانة أو التنقص ، ومثاله : تغطية وجهها ، فهي مسألة خلافية ، وليس يوجد من يقول بحرمة تغطيتها لوجهها ، فإن كانت ترى أنه يسعها كشف وجهها : فإن له أن يمنعها من إظهاره للأجانب ، وله أن يلزمها بقوله وترجيحه ، وهو وجوب ستر وجهها – وهو القول الراجح - ، وليس لها مخالفته ، وهي مأجورة على فعلها ذلك إن احتسبت طاعة ربها بطاعة زوجها ، وفعل ما هو أستر .
4. وكل ما تراه المرأة واجباً ، أو حراماً أو بدعة : فلا طاعة للزوج بترك الواجب ، أو فعل الحرام والبدعة .
وقد ذكرنا فيما سبق مثالاً للواجب ، وهو زكاة الذهب ، ومن أمثلة ما تراه الزوجة حراماً ، وهو يراه مباحاً : تغطية وجهها – عكس الصورة السابقة - ، فلو كانت ترجح حرمة كشف وجهها أمام الأجانب : لم يكن لزوجها أن يأمرها بكشفه بعلة أنه يرى إباحة كشف الوجه .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
هل لي أن أعصي زوجي إذا طلب مني أن أكشف وجهي أمام الأجانب ؟ وهل هذا الأمر ينطبق عليه " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " ؟ مع العلم من الاختلاف بين العلماء في حكم تغطية الوجه ، وهل يحل لي أن أكشف وجهي وأنا في بيتي عند وجود أهل زوجي من الرجال ، أو عندما أفتح الباب لمحصل الكهرباء أو الغاز أو عندما أخرج للشرفة لنشر الملابس مع التزامي بالحجاب الكامل دون غطاء الوجه ؟ .
فأجابوا :
يحرم على الزوجة طاعة زوجها فيما حرم الله ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ومن ذلك : كشف وجهها أمام غير محارمها من الرجال ، سواء كانوا من أقاربه ، أم أقاربها ، أم غيرهم ، في البيت ، وخارج البيت ، وفي الشرفة ، وعند فتح الباب لمحصل الكهرباء والضيوف ، ولا يكون الحجاب كاملا إلا بالمحافظة على ما ذكر .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 17 / 257 ، 258 ) .
وننبه هنا إلى أمور :
أ. أن العشرة بين الزوجين بالمعروف واجبة على الطرفين .
ب. لا يجوز للزوجين التهكم والسخرية بالطرف الآخر لترجيحه لمسألة أو لتقليده فيها .
ج. يجب على الزوجين تقليد الأكثر علماً وديناً ممن يرجعون إليه في الفتوى ، ويجب عليهما ترك اتباع الهوى في البحث عن الرخص .
د. ما كان فيه سعة من المسائل لا ينبغي للزوج التضييق فيها على زوجته ، وما كان فيه سعة منها بالنسبة للزوجة فالتزام قول الزوج أفضل وأولى .
هـ. نوصي الزوجين – والأزواج عموماً – بطلب العلم ، والبحث عن الحق ، وترك المماراة والمجادلة بالباطل ، وليضع كل واحد منكما الحق نصب عينيه .
و. الأسرة السعيدة هي التي يكون بين قطبيها المودة والألفة والحب والتفاهم ، فأنتما لستما في معهد علمي ، ولا جامعة لتجعلوا الأمور مبنية على المناقشات والمناكفات ، وكونوا قدوة لأولادكم في اتباع الحق ، والاختلاف بتعقل دون شطط .

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب