قبل مايقارب 3 أو 4 سنوات طلبت مني امرأة بأن أساعدها في إيصال بعض الحبوب لإجهاض الجنين، علما أني كنت أجهل بالحرمة، وحاليا نسيت كم كان عمر الجنين، يحتمل 2 أو 3 أو 4 أشهر، وطلبتُ من صديقي أن يوصلني إليها، وحين علم بالأمر ـ ونحن في الطريق ـ نصحني بعدم فعل ذالك، وبرأ ذمته، ولم أقتنع بحديثه، وتم الأمر، أجهض الجنين، والله المستعان. الآن بدأت أشعر بالذنب ماذا علي أن أفعل؟ هل علي دية ؟ وهل علي كفارة ؟ وهل لي من توبة ؟ وماذا على صديقي ؟ علما أني معسر، وعلي ديون، وحالي يرثى له، لا أستطيع تحمل الدية، ولا أستطيع تحمل صيام شهرين متتاليين، أفتوني في أمري.
الحمد لله.
أولا:
إذا كان الإجهاض بعد أربعة أشهر فهو قتل للنفس، وفيه الدية والكفارة؛ لما روى البخاري (6910)، ومسلم (1681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : "اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا : غُرَّةٌ : عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا).
فالدية هنا : غُرّة، عبد أو أمة ، فإن لم توجد، فديته خمس من الإبل، لأن دية الجنين عشر دية أمه، ومعلوم أن دية الحرة المسلمة خمسون من الإبل، فتكون دية الجنين خمساً من الإبل.
وأما الكفارة ، فقد ذهب إلى وجوبها الشافعية والحنابلة .
وكفارة القتل: عتق رقبة، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين .
وإذا كان الإجهاض قبل أربعة أشهر، فهو محرم ، كما سبق بيانه في جواب سؤال (حكم الإجهاض في الأشهر الأولى) إلا أنه لا كفارة فيه ولا دية، لأن الجنين لم تنفخ فيه الروح بعد.
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا شربت الحامل دواء، فألقت به جنينا، فعليها غرة، لا ترث منها شيئا، وتعتق رقبة .
ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه، إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة .
وذلك : لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها، فلزمها ضمانه بالغرة، كما لو جنى عليه غيرها .
ولا ترث من الغرة شيئا؛ لأن القاتل لا يرث المقتول، وتكون الغرة لسائر ورثته، وعليها عتق رقبة " انتهى من "المغني" (8/327).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "عمن شربت دواءً عمداً لإسقاط جنين فسقط لثلاثة أشهر فماذا عليها ؟
فأجاب : ليس عليها دية ولا كفارة، لأنه لم تنفخ فيه الروح، أما إن أتمَّ أربعة أشهر، ففعلته عمداً، فعليها الدية، غرة، والكفارة، صيام شهرين متتابعين، والغرة : عبد أو أمة ، قيمة كل منهما خمس من الإبل .
ومن لم يستطع الصيام ، فالصحيح : أنه ليس عليه إطعام ، لأن الله لم يذكره في الآية " انتهى من "ثمرات التدوين"، ص126
ثانيا:
إذا اجتمع في الجريمة آمر أو متسبب ومباشر، كالرجل يحضر الدواء، أو يأمر به، فتأخذه المرأة عالمة به، فالضمان (أي الدية والكفارة) يكون على المباشر، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
قال في "شرح المنتهى" (10/ 173): " والقاعدة الشرعية في المتلفات: (أنه إذا اجتمع متسبب ومباشر فالضمان على المباشر)" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وإن اجتمع متسبب ومباشر، فإن كان المباشر يمكن تضمينه فعلى المباشر وحده، وإن كان لا يمكن تضمينه فعلى المتسبب وحده...
ومثال اجتماع المباشر والمتسبب: شخص حفر حفرة، ووقف شخص آخر عليها، فجاء إنسان فدفعه فيها حتى سقط ومات، فالضمان على المباشر وهو الدافع؛ لأنه أقوى صلة بالجناية من المتسبب.
وكذلك لو أن شخصاً أعطى إنساناً سكيناً بدون مواطأة على القتل، فقتل بها إنساناً، فالضمان على المباشر.
فإن كان المباشر لا يمكن تضمينه فعلى المتسبب، كما لو أن رجلاً ألقى إنساناً مكتوفاً بحضرة الأسد، فأكله الأسد، فعندنا مباشر ومتسبب، المباشر هو الأسد، والمتسبب هو الذي ألقى الرجل مكتوفاً بحضرة الأسد، فالضمان هنا على المتسبب؛ لأن المباشر لا يمكن تضمينه.
كذلك إذا كان المباشر غير معتدٍ، وكان المتسبب هو المعتدي، وكانت المباشرة مبنية على ذلك السبب، فإن الضمان يكون على المتسبب، وذلك مثل لو شهد جماعة على شخص بما يوجب قتله، فقتله السلطان، ثم بعد ذلك رجعوا، وقالوا: عمدنا قتله، فهنا المباشر السلطان، والمتسبب هم الشهود، لكن المباشر قد بنى مباشرته على مسوِّغ شرعي، وهو شهادة الشهود، ولا يمكنه أن يتخلص من هذه الشهادة الموجبة للقتل، وهذا السبب هو الذي أقر على نفسه بالجناية، فيكون الضمان على المتسبب، فهاتان حالتان.
والحال الثالثة: إذا كان المباشر لا يمكن تضمينه لعدم تكليفه، فالضمان يكون على المتسبب، كمن أمر غير مكلف بالقتل، فالضمان على الآمر؛ لأنه هو السبب، وهنا المباشر غير مكلف فلا يمكن تضمينه؛ لأنه لا قصد له، ولولا أمر هذا الإنسان ما قتل.
فهذه ثلاث مسائل" انتهى من "الشرح الممتع" (14/ 91).
وهنا يمكن تضمين المباشر، وهي الأم لأنها مكلفة معتدية، شربت الدواء عالمة أنه يسقط الجنين.
وعليه :
فلا شيء عليك غير التوبة.
وأما الدية والكفارة : فعلى الأم؛ إذا كان الإجهاض بعد أربعة أشهر.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (307568).
والله أعلم.