الحمد لله.
أولا:
إذا قتل قتيل عمدا عدوانا، فإن حق القصاص يكون لورثته جميعا، ذكورا وإناثا.
قال ابن قدامة رحمه الله : " فالقصاص حق لجميع الورثة ، من ذوي الأنساب والأسباب، والرجال والنساء، والصغار والكبار .
فمن عفا منهم صح عفوه، وسقط القصاص، ولم يبق لأحد إليه سبيل.
هذا قول أكثر أهل العلم؛ منهم عطاء، والنخعي، والحكم، وحماد، والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي. وروي معنى ذلك عن عمر، وطاوس، والشعبي.
وقال الحسن، وقتادة، والزهري، وابن شبرمة، والليث، والأوزاعي: ليس للنساء عفو.
والمشهور عن مالك، أنه موروث للعصبات خاصة. وهو وجه لأصحاب الشافعي" انتهى من "المغني" (8/ 353).
ثانيا:
إذا قتلت المرأة طليقها ولها منه ولد، فإنه لا يقتص منها؛ لأن الولد يرث القصاص أو بعضا منه، ولا قصاص للولد على أمه.
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولو قتل أحد الأبوين صاحبه , ولهما ولد , لم يجب القصاص ; لأنه لو وجب : لوجب لولده , ولا يجب للولد قصاص على والده ; لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه , فلأن لا يجب له بالجناية على غيره أولى .
وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى، أو كان للمقتول ولد سواه، أو من يشاركه في الميراث، أو لم يكن؛ لأنه لو ثبت القصاص، لوجب له جزء منه، ولا يمكن وجوبه، وإذا لم يثبت بعضه، سقط كله؛ لأنه لا يتبعض، وصار كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن نصيبه منه.
فإن لم يكن للمقتول ولد منهما، وجب القصاص، في قول أكثر أهل العلم؛ منهم عمر بن عبد العزيز، والنخعي، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي" انتهى من " المغني " (8/287) .
وقال في "كشاف القناع" (5/ 529): " (ومتى ورث ولدُه) أي القاتل (القصاص أو) ورث (شيئا منه) أي القصاص ، وإن قل : سقط القصاص، لأنه لو لم يسقط ، لوجب للولد على الوالد ، وهو ممنوع، ولأنه إذا لم يجب بالجناية عليه ، فلأن : لا يجب بالجناية على غيره ، أولى ...
(فلو قتل أحد الزوجين الآخر وله ولد) فلا قود لأنه لو وجب لوجب لولده، وإذا لم يجب للولد بالجنابة فعلى غيره أولى، وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (21/56) :
" إِرْثُ الْوَلَدِ حَقَّ الاقْتِصَاصِ مِنْ أَصْلِهِ :
- إِذَا وَرِثَ الْوَلَدُ الْقِصَاصَ مِنْ أَحَدِ الأَبَوَيْنِ عَلَى الآخَرِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَذَلِكَ لِشُبْهَةِ الْوِرَاثَةِ . فَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الأَبَوَيْنِ صَاحِبَهُ وَلَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ ؛ لأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لِوَلَدِهِ ، وَلا يَجِبُ لِلْوَلَدِ قِصَاصٌ عَلَى وَالِدِهِ . لأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِبْ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ فَلأَنْ لا يَجِبَ لَهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى . وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى . أَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلَدٌ سِوَاهُ أَوْ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ أَمْ لَمْ يَكُنْ ؛ لأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَلا يُمْكِنُ وُجُوبُهُ . وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بَعْضُهُ سَقَطَ كُلُّهُ ؛ لأَنَّ الْقِصَاصَ لا يَتَبَعَّضُ ، وَصَارَ كَمَا لَوْ عَفَا بَعْضُ مُسْتَحَقِّي الْقِصَاصِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ .
وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْوَالِدِ بِسَبَبِ قَتْلِ وَلَدِهِ ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ"انتهى.
وعلم بهذا أن القول بسقوط القصاص من المرأة إذا قتلت طليقها ، ولها منه أولاد : مفرع على القول بعدم وجوب القصاص على الوالد بسبب قتل ولده ، وهم الجمور .
وقد سبق أن ذكرنا أن في أصل المسألة خلافا بين أهل العلم ، كما في جواب السؤال رقم : (187507) .
والحاصل :
أن المسألة ، في الصورتين : محل خلاف بين أهل العلم ، كما سبق بيانه أيضا في جواب السؤال رقم : (203577) .
ومثل هذا يجب الرجوع فيه إلى المحاكم الشرعية ؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف في أمثال هذه المسائل .
والله أعلم.