الحمد لله.
أولا:
إذا تضمن كلامك الإخبار بغير الحقيقة، وحلفت على ذلك، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى من الكذب، ومن الحلف الكاذب، فإن ذلك أمر عظيم من كبائر الذنوب؛ لما روى البخاري (6675) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ .
ولا كفارة عليك في قول جمهور الفقهاء، وانظر: جواب السؤال رقم : (122321) .
وإذا لم تخبر بغير الحقيقة، لكن أخفيت بعضها، وكان ما أخفيته غير مؤثر في الحكم، فلا شيء عليك.
والذي يظهر لنا: أن وقوفك عند هذا البائع في أول الأمر غير مؤثر في الحكم ، لأن النتيجة النهائية أنه أخذ مالك بالإكراه ، وهذا هو ما ذكرته أنت للشرطة وفي المحكمة ، وهو حاصل ما ظهر لنا من سؤالك.
ثانيا:
سواء صدقت أم كذبت ، فإنك لا تستحق تعويضا مقابل إسقاط حقك ؛ فليس هذا مما يُعتاض عنه.
بل من أُخذ منه مال، فليس له مطالبة بتعويض عن الضرر المعنوي، أو تعويض عن إسقاط القضية، وإنما يطلب ماله.
قال في "كشاف القناع" (3/ 401): " (أو) صالح قاذف (مقذوفا) عن حد القذف : لم يصح ، وإن قلنا: هو له ، فليس له الاعتياض عنه ، لأنه ليس بمال ، ولا يؤول إليه" انتهى.
وجاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 ( 3 / 12 ) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه :"الضرر الذي يجوز التعويض عنه: يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 13 / 40 ) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية " :
"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بـهذا ، وإنما هو تعبير حادث ، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى .
ثالثا:
ما أخذته من التعويض، فإنه يلزمك رده إلى هذه العائلة، فإن لم يمكنك الوصول إليها، فإنك تتصدق به عنها، فإن وجدتهم يوما من الدهر، خيرتهم بين إمضاء الصدقة، أو تعطيهم المال وتكون الصدقة لك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المال، إذا تعذر معرفة مالكه: صُرف في مصالح المسلمين، عند جماهير العلماء، كمالك وأحمد وغيرهما.
فإذا كان بيد الإنسان غصوب أو عوارٍ أو ودائع أو رهون ، قد يئس من معرفة أصحابها : فإنه يتصدق بها عنهم ، أو يصرفها في مصالح المسلمين ، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين المصالح الشرعية.
ومن الفقهاء من يقول: توقف أبدا حتى يتبين أصحابها؟
والصواب الأول؛ فإن حبس المال دائما ، لمن لا يُرجى : لا فائدة فيه؛ بل هو تعرض لهلاك المال، واستيلاء الظلمة عليه.
وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية ، فدخل بيته ليأتي بالثمن ، فخرج فلم يجد البائع ، فجعل يطوف على المساكين ، ويتصدق عليهم بالثمن ، ويقول: اللهم عن رب الجارية ، فإن قَبِل ، فذاك ، وإن لم يقبل ، فهو لي ، وعلي له مثله يوم القيامة.
وكذلك أفتى بعض التابعين من غل من الغنيمة ، وتاب بعد تفرقهم : أن يتصدق بذلك عنهم، ورضي بهذه الفتيا الصحابة والتابعون الذين بلغتهم ، كمعاوية وغيره من أهل الشام" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 321).
وأما ما أخذه المحامي: فإن له أن يأخذ منه أجرة المثل فقط، ويرد الباقي، ويُرجع في تقدير أجرة المثل هنا إلى أهل الخبرة.
والأصل أن تكون أجرته عليك، لكن يجوز تغريم الظالم والمماطل أجرة المحامي الذي يُستعان به لرفع الظلم ، أو تحصيل الحق.
والله أعلم.