الحمد لله.
الحلف الكاذب يسمى باليمين الغموس ، وهو كبيرة من كبائر الذنوب ؛ لما روى البخاري (6675) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (الْكَبَائِرُ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ رَجُلٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ولَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) رواه البخاري (2677) ومسلم (138).
وقد أخطأت في حلفك بالله كاذبة وإن كان مقصدك الأول صالحا ، والواجب عليك أن تتوبي إلى الله تعالى توبة صادقة بالندم على ما فعلت ، والعزم على عدم العودة إلى ذلك أبدا .
وهذه اليمين الكاذبة لا كفارة فيها عند كثير من أهل العلم ؛ لأنها أعظم من أن تكفّر .
قال الإمام مالك رحمه الله في اليمين الغموس : " الْغَمُوسُ : الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ . . . وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُكَفِّرَهُ الْكَفَّارَةُ " انتهى باختصار من "التاج والإكليل" (4/406) ، ونحوه في
"المدونة" (1/577) .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " ( ومن حلف على شيء , وهو يعلم أنه كاذب , فلا كفارة عليه ; لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة ) هذا ظاهر المذهب , نقله الجماعة عن أحمد ، وهو قول أكثر أهل العلم , منهم ابن مسعود , وسعيد بن المسيب , والحسن , ومالك , والأوزاعي , والثوري , والليث , وأبو عبيد , وأبو ثور , وأصحاب الحديث , وأصحاب الرأي من أهل الكوفة ، وهذه اليمين تسمى يمين الغموس ; لأنها تغمس صاحبها في الإثم . قال ابن مسعود : كنا نعدّ من اليمين التي لا كفارة لها , اليمين الغموس . وعن سعيد بن المسيب , قال : هي من الكبائر , وهي أعظم من أن تكفر .
وروي عن أحمد , أن فيها الكفارة . وروي ذلك عن عطاء , والزهري , والحكم , والبتي . وهو قول الشافعي ; لأنه وجدت منه اليمين بالله تعالى , والمخالفة مع القصد , فلزمته الكفارة , كالمستقبلة " انتهى من "المغني" (9/392).
وأما المال الذي أخذت ، فإن كان قد صرف في النفقة التي تحتاجينها أنت وعيالك فلا حرج عليك فيه ، وإن كنت توسعت في الإنفاق زيادة على النفقة بالمعروف ، لزمك رده إلى زوجك ، ولو بدون علمه .
والله أعلم .
تعليق