الحمد لله.
هذا القول حكمه ينبني على مقصد قائله :
فإن كان قصده أن هذه الصحبة لمواظبتها على الخير ولاجتنابها للمعاصي وسفاسف الأمور، يجد نفسه وحاله معها أكثر نشاطا إلى الطاعة والخير وأشد ابتعادا عن الشرور والمعاصي، فيقول هذا القول قاصدا؛ أن هذه الصحبة تعينه على طريق الجنة .
فهذا القول بهذا القصد لا بأس به ، فلا يظهر فيه ما يعارض الشرع .
ولو قاله بهذا القصد ، لكن الواقع أن صحبته متقاعسة عن القيام بشرائع الإيمان ، وتحصيل أسباب التقوى ، بل تلهيه عن الخير ، وتشغله بما لا ينفع ، وتعيقه عن المسابقة إلى الجنة ؛
فيكون هذا القول في هذه الحال من باب الكذب؛ لأنه إخبار بما لا يطابق مع الواقع، والكذب حرمته معلومة.
لأن صحبة الجنة لا تكون إلا من أهل الإيمان والتقوى.
وأما إن كان قصده الإخبار بأن هذه الرفقة من أهل الجنة: فهذا يخشى على قائله من الوقوع في التألي على الله، والقول عليه بغير علم ؛ فمن ذا الذي يعلم أصحاب الجنة، من أصحاب السعير.
قال الله تعالى : قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ الأحقاف/9 .
وقال الله تعالى : فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى النجم/32 .
وفي "صحيح البخاري" (3929) : " أَنَّ أُمَّ العَلاَءِ ، امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ ، بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَخْبَرَتْهُ : أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى، حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى المُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ ، قَالَتْ : قُلْتُ : لاَ أَدْرِي ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ اليَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، فَنِمْتُ، وفَرِيتُ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ذَلِكِ عَمَلُهُ " .
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التسمي بأسماء فيها تزكية لصاحبها، كبرة، ونحوها، فكيف الحال بمن ينادي أصحابه : صحبة الجنة ، أو صحبة الفردوس ، ونحو ذلك.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (117474) .
ومعلوم أنه من أصول أهل السنة: ألا نقطع لأحد بجنة ، ولا نار .
قال أبو بكر الإسماعيلي في كتابه" اعتقاد أئمة أهل الحديث" (ص 68):
" ولا يقطعون على أحد من أهل الملة أنه من أهل الجنة أو من أهل النار، لأن علم ذلك يغيب عنهم " انتهى.
وقال ابن أبي العز الحنفي في شرحه "للعقيدة الطحاوية" (ص 325):
" (ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم، ولا نقنِّطهم).
الشرح: وعلى المؤمن أن يعتقد هذا الذي قاله الشيخ رحمه الله في حق نفسه وفي حق غيره " انتهى.
وبكل حال؛ فالذي نراه أن ينهى عن مثل هذه الإطلاقات والتسميات، لأنها مظنة التألي على الله، أو الوقوع في الكذب والباطل، وتزكية النفس، أو الرفقة التي تصحبها، بما لا ينبغي ، بل وبغير حق.
ثم قد يغتر أصحاب هذه المجموعات ، بأسماء، وإطلاقات لا تغني عنهم من الله شيئا، وهم يظنون أنهم على شيء .
وليعلم العبد أن شريعتنا : هي الحنيفية السمحة ، وأننا نهينا عن التكلف ، في كل شيء !!
والله أعلم.