الحمد لله.
أولا:
لا يجوز رسم صور ذوات الأرواح؛ لما ثبت من لعن المصورين وذمهم، في نصوص كثيرة مشهورة، ومنها ما روى البخاري (2225) عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ ، إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي ، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا) فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ " .
ورواه مسلم (2110) بلفظ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ، بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا، نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ وقَالَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ ".
لكن يستثنى من ذلك:
1-أن ترسم هذه الصور للأطفال ، أو يرسمها الأطفال ، لأنه إذا رُخص لهم في الصور المجسمة كلعب البنات ، فالرسم من باب أولى.
وأما رسم ذلك للبالغين ، أو رسمهم هم لذلك ، أو رسم ما لا يحتاجه الأطفال كصور الشعراء ، فباق على أصل التحريم.
وقد روى أبو داود (4932) عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: " قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن غَزْوَةِ تَبُوكَ أو خيبر، وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّت رِيحٌ ، فَكَشَفَت نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَن بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ، لُعَب ، فَقَالَ: مَا هَذا يَا عَائِشَةُ؟ قَالَت: بَنَاتِي ، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَه جَنَاحَانِ مِن رِقَاعٍ. فَقَال: مَا هَذَا الذِي أَرَى وَسطَهن؟ قَالت: فَرَسٌ. قَالَ: وَمَا هَذا الذي عَليه؟ قَالَت: جَنَاحَانِ. قَالَ: فَرَسٌ لَه جَناحانِ؟! قَالَت: أَمَا سَمِعتَ أَنَّ لِسُلَيمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟! قَالَت: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيتُ نَوَاجِذَه" وصححه العراقي في " تخريج الإحياء " (2/344) والألباني في "صحيح أبو داود".
قالَ الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله :
" استُدلَّ بهذا الحديثِ على جوازِ اتخاذِ صورِ البناتِ واللعب ، من أجلِ لَعِبِ البناتِ بهن ، وخُصَّ ذلك من عمومِ النهي عن اتخاذِ الصور ، وبه جزمَ عياضٌ ، ونقله عن الجمهورِ ، وأنهم أجازوا بيعَ اللعبِ للبناتِ لتدريبهن من صغرِهن على أمرِ بيوتهِن وأولادهن" .
انتهى من " فتح الباري " (10/527) .
2-أن تُرسم الصورة ناقصة ، كالصورة النصفية ، وقد أجاز جمهور الفقهاء رسم الصورة إذا أزيل منها ما لا تبقى معه الحياة.
قال ابن قدامة رحمه الله: " فإن قطع رأس الصورة ، ذهبت الكراهة. قال ابن عباس: الصورة الرأس ، فإذا قطع الرأس فليس بصورة. وحكي ذلك عن عكرمة. وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل، فقال: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب ، فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع، فيصير كهيئة الشجر، ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن ، ومر بالكلب فليخرج. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن قطع منه ما لا يبقي الحيوان بعد ذهابه ، كصدره أو بطنه ، أو جعل له رأس منفصل عن بدنه ، لم يدخل تحت النهي ، لأن الصورة لا تبقي بعد ذهابه ، فهو كقطع الرأس.
وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده ، كالعين واليد والرجل ، فهو صورة داخلة تحت النهي.
وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس ، أو رأس بلا بدن، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان، لم يدخل في النهي؛ لأن ذلك ليس بصورة حيوان ".
انتهى من " المغني" (7/ 216).
ثانيا:
إذا لم تراع المجلة ذلك، ورسمت الصور المحرمة ، فالذي يظهر جواز أن تُكتب فيها المقالات النافعة، والإثم على من يرسم الصور وينشرها.
وينظر: جواب السؤال رقم : (153155) ورقم (260883) .
والله أعلم.