الحمد لله.
أولا:
الطلاق في الطهر الذي جامع فيه الرجل امرأته: طلاق بدعي باتفاق العلماء ، وفي وقوعه خلاف بين الفقهاء، والجمهور على وقوعه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقع، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو المفتى به في الموقع كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (175516).
ثانيا:
الجماع المعتبر هو الوطء في القبل، بإيلاج الحشفة فيه، وهذا الذي يترتب عليه وجوب الغسل، والكفارة في نهار رمضان، ووجوب الحد، وغير ذلك من الأحكام، سواء كان على الذكر حائل أو لا.
وعليه: فجميع ما ذكرت من الصور يعتبر طلاقا بدعيا، لأنه طلاق في طهر جامع فيه.
لكن الصورة الأولى- فقط - فيها خلاف، وهي من جامع مع وجود الحائل، أي لبس واقيا على ذكره، فقد اختلف الفقهاء في هذا الجماع هل تترتب عليه الأحكام أم لا، والجمهور على أن الحائل إذا كان لا يمنع اللذة، فالجماع الواقع معه جماع معتبر.
قال النووي رحمه الله في "الروضة" (1/ 82): "وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً، فَأَوْلَجَهُ، وَجَبَ الْغُسْل،ُ عَلَى أَصَحِّ الْأَوْجُهِ، وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِي. وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَتِ الْخِرْقَةُ خَشِنَةً، وَهِيَ الَّتِي تَمْنَعُ وُصُولَ بَلَلِ الْفَرْجِ إِلَى الذَّكَرِ، وَتَمْنَعُ وُصُولَ الْحَرَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، لَمْ يَجِبْ، وَإِلَّا وَجَبَ.
قُلْتُ: قَالَ صَاحِبُ (الْبَحْرِ) : وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَجْرِيَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ" انتهى.
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (31/ 201): "اختلف الفقهاء في وجوب الغسل من الإيلاج بحائل.
فذهب المالكية وبعض الحنفية: إلى أنه لا يجب الغسل على من أولج حشفته، أو قدرها، ملفوفة بخرقة كثيفة تمنع اللذة، فإن كانت الخرقة رقيقة، بحيث يجد معها اللذة وحرارة الفرج: فإنه يجب عليه الغسل.
وذهب الشافعية في الصحيح وبعض الحنفية إلى أنه يجب عليه الغسل في الخرقة الكثيفة؛ لأنه يسمى مولجا، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان، أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل) .
قال الحصكفي: والأحوط: الوجوب. قال ابن عابدين: والظاهر أنه اختيار للقول بالوجوب.
وذهب الحنابلة إلى أنه لا يجب الغسل على من أولج بحائل مطلقا، من غير أن ينصوا على كون الحائل رقيقا أو كثيفا" انتهى.
تنبيه:
ما نقل هنا عن الحنابلة هنا من إطلاق القول بعدم الغسل مع الحائل مطلقا، هو أحد القولين في المذهب.
والقول الثاني: أنه يجب الغسل أيضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولو غيب الحشفة من وراء حائل وجب الغسل في أحد الوجهين." انتهى من "شرح العمدة" (1/360).
والوجهان: حكاهما المرداوي أيضا، وذكر من قال بكل منهما. انظر: "الإنصاف" (2/91-93).
بل إنه أطلق القول بالغسل أيضا في (كتاب الحيض)، من الإنصاف. قال:
" لو لف على ذكره خرقة، ثم وطئ، فهو كالوطء بلا خرقة. جزم به في الفروع، و الرعاية، وابن تميم، وغيرهم." انتهى، من "الإنصاف" (2/382). ـ الحيض.
وفرق بعض المحققين بين "الحائل الرقيق"، فيجب معه الغسل، وغيره، كما سبق نقله عن غيرهم، وكأنه جمع بين القولين المحكيين في المذهب.
قال الرحيباني رحمه الله:
"(ويتجه باحتمال) قوي: (فلا يفسد) إحرام من أولج (بلا إنزال) إذا كان إيلاجه (بحائل) صفيق، بحيث لا يحس بالحرارة، أما إذا أولج بلا حائل، أو بحائل غير صفيق، فإنه يفسد إحرامه؛ لأنه وطء يوجب الغسل، وهو متجه." انتهى، من "مطالب أولي النهى" (2/348). وينظر: "حاشية الروض المربع" (1/274).
وينظر أيضا : جواب السؤال رقم : (37031) .
والحاصل:
أن استعمال الواقي الذكري: لا يؤثر في شيء من الأحكام، فيجب معه الغسل، والطلاق بعده طلاق بدعي، على القول الراجح، وهو مذهب جمهور أهل العلم.
وأما كون الزوج عقيما أو الزوجة عقيمة، أو استعملت وسيلة لمنع الحمل، أو استعملها هو، فهذا كله غير مؤثر، وجماعه معتبر.
والله أعلم.