الحمد لله.
أولا:
من احتلم ولم يجد فيه ثيابه وفراشه أثرا للمني، فلا غسل عليه.
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: " جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ ، إِذَا رَأَتِ المَاءَ رواه البخاري (282)، ومسلم (313).
وقد حكى بعض العلماء الإجماع على هذا .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا رأى في نومه أنه احتلم، أو جامع ولم يجد بللا: أنه لا غسل عليه " انتهى من "الأوسط" (2 / 83).
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" إجماع العلماء على أن المحتلم رجلا كان أو امرأة إذا لم ينزل، ولم يجد بللا، ولا أثر للإنزال؛ أنه لا غسل عليه، وإن رأى الوطء والجماع الصحيح في نومه، وأنه إذا أنزل فعليه الغسل، امرأة كان أو رجلا، وأن الغسل لا يجب في الاحتلام إلا بالإنزال " انتهى من "التمهيد" (8 / 337).
وعلى ذلك؛ فما فعله هذا الشخص من الغسل؛ فإنه غسل غير واجب، لأنه اغتسل قبل وجود سبب الغسل، وهو رؤية الماء.
ثانيا:
إذا اغتسل المحتلم قبل رؤية الماء في ثيابه؛ ثم بعد ذلك خرج منه الماء "المني" وليس "المذي"؛ فهذا الماء الذي خرج عقب الاغتسال، له حالان:
الحالة الأولى: أن يغلب على ظن هذا الشخص، أن هذا الماء هو نتيجة ما رآه في النوم؛ ومتولد عنه؛ لكنه بقي محتقنا في مجرى البول، ثم خرج بسبب تتابع الحركة، أو البول.
ففي هذه الحال يجب عليه الاغتسال؛ لأنه قد تحققت علة وجوب الغسل، وهي رؤية الماء بسبب الاحتلام، كما سبق في حديث أم سلمة رضي الله عنها، وكما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رواه مسلم (343).
وهذا قول جماهير أهل العلم، جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (16 / 50):
" ويعتبر جنبا من انتقل منيه من محله بشهوة، وخرج لا عن شهوة عند المالكية والشافعية والحنابلة وأبي حنيفة ومحمد " انتهى.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" إذا رأى أنه قد احتلم، ولم يجد منيا...
لكن إن مشى فخرج منه المني، أو خرج بعد استيقاظه، فعليه الغسل. نص عليه أحمد؛ لأن الظاهر أنه كان انتقل، وتخلف خروجه إلى ما بعد الاستيقاظ " انتهى من "المغني" (1 / 269).
الحالة الثانية: أن يغلب على ظنه أنه ليس نتيجه للاحتلام السابق؛ كأن يراه بعد مضي زمن طويل على نومته، بعد مرور يوم مثلا.
فمذهب جمهور أهل العلم أن خروج المني في حال اليقظة: لا يوجب الغسل إلا إذا كان على وجه الشهوة .
قال النووي الشافعي رحمه الله تعالى:
" أجمع العلماء على وجوب الغسل بخروج المني...
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : لا يجب إلا إذا خرج بشهوة ودفق " انتهى من "المجموع" (2 / 139).
ودليل الجمهور حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً، فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ ذُكِرَ لَهُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَفْعَلْ إِذَا رَأَيْتَ الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ رواه أبو داود (206)، والنسائي (193)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1 / 162).
قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإثيوبي:
" الظاهر أن المذهب الثاني – مذهب الجمهور - هو الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف خروج المني في حديث علي رضي الله عنه بالفضخ، وقد قدمنا أن معناه الدفق، فما لم يخرج بهذه الصفة لم يجب الغسل، وأما حديث: ( الماء من الماء) ونحوه فلا ينافي هذا؛ لأنه مطلق فيحمل على المقيد. والله أعلم " انتهى من "ذخيرة العقبى" (4 / 176 - 177).
وعلى ذلك؛ فإذا خرج المني بشهوة ودفق: وجب الاغتسال ، وإن خرج كما يخرج البول – بلا دفق ولا شهوة- فلا يجب الاغتسال .
وراجعي لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (243241).
ويراجع الفرق بين المني والمذي: في الجواب رقم : (2458)، ورقم : (166106)، ورقم : (257369).
والله أعلم.