الحمد لله.
فيا عبد الله؛ إن العجب لا ينقضي من اهتمامك بتفصيل ذلك الأمر، في حال "القبر"!!
بل من قولك: إنه: مهم جدا بالنسبة لي؟!
أفلا كان اهتمامك بما يهون عليك ضمة القبر؟!
أفلا كان اهتمامك بما ينجيك من عذاب القبر؟!
أفلا كان اهتمامك يما يثبتك عند السؤال في القبر؟!
أفلا كان اهتمامك بما يؤنس وحشتك في القبر؟!
قد كان لك في مهمات الأمور، وأهوال القبور شغل شاغل عن ذلك الذي تكلفته، وانشغلت به، يا عبد الله؟!
عَنْ هَانِئٍ، مَوْلَى عُثْمَانَ، قَالَ: " كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ!! فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟!
قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
( إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ).
قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ ).
. رواه الترمذي (2308) وحسنه ، وابن ماجة (4267)، وأحمد (454) ، والحاكم (7942) صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (142854)، ورقم: (10403).
وقد ذكر الله تعالى أن الحور العين من متاع الجنة فقال: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ) الرحمن/56-58.
وقال: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) الرحمن/70-74.
ومن رغب في الحور؛ فليبذل المهر.
قال ابن رجب رحمه الله: "ومما يجزي به المتهجدينَ في الليلِ: كثرةَ الأزواج من الحورِ العين في الجنةِ، فإنَّ المتهجدَ قَد تركَ لذةَ النومِ بالليلِ، ولذةَ التمتع بأزواجِهِ، طلبًا لما عندَ اللَّهِ عز وجل؛ فعوَّضَهُ اللَّهُ تعالَى خيرًا مما تركَهُ، وهوَ الحورُ العينِ في الجنةِ.
ومن هُنا قال بعضُهم: طول التهجدِ مهورُ الحورِ العينِ في الجنةِ!!
وكانَ بعضُ السلفِ يُحيي الليلَ بالصلاة، فَفَتَرَ عن ذلك، فأتاه آتٍ، فقال له:
قد كنتَ يا فلانُ تدأبُ في الخِطْبةِ، فما الذي قصرَ بكَ عن ذاكَ؟
كنتَ تقومُ من الليلِ؛ أوَ ما علمتَ أن المتهجدَ إذا قامَ إلى التهجدِ، قالتِ الملائكةُ: قد قامَ الخاطبُ إلى خِطبتِهِ؟!
ورأى بعضُهم في منامهِ امرأةً لا تشبهُ نساءَ الدُّنيا، فقال لها: من أنتِ؟
قالتْ: حوراءُ أمةُ اللَّهِ.
فقال لها: زوِّجِيني نفسَكِ.
قالتْ: اخطُبني إلى سيدي، وأمهرني.
قال: وما مهرُكِ؟
قالتْ: طول التهجدِ.
قامَ بعضُ المتهجدينَ ذاتَ ليلةٍ، فرأى في منامهِ حوراءَ تنشدُ:
أتخطبُ مثْلي وعني تنا * مُ، ونومُ المحبينَ عنَّا حرامُ
لأنَّا خُلقْنَا لكلِّ امرئٍ * كثيرِ الصلاةِ براهُ الصيامُ
وكانَ لبعضِ السلفِ وِرْدٌ من الليلِ، فنَامَ عنهُ ليلةً، فرأى في منامِه جاريةً كأنَّ وجهها القمرُ، ومعَها رقٌّ فيه كتابٌ فقالتْ: أتقرأ؟
قال: نعم، فأعطتهُ إياهُ، ففتحهُ، فإذا فيه مكتوبٌ:
أتلهُو بالكَرَى عن طيبِ عيشٍ مع الخيراتِ في غرفِ الجنانِ
تعيش مخلَّدًا لا موت فيهِ وتنعمُ في الجنانِ مع الحسانِ
تَيقَّظ من منامِكَ إن خيرًا من النومِ التهجد بالقُرانِ
فاستيقظَ، قالَ: فواللهِ ما ذكرتُها إلا ذهبَ عنِّي النومُ.
وُرويَ عن أبي سليمان الداراني أنه قالَ: ذهبَ بي النومُ ذاتَ ليلةٍ في صلاتي، فإذا بها - يعني الحوراء - تنبهني وتقولُ: يا أبا سليمانَ ، أترقدُ وأنا أُربَّى لك في الخدرِ منذ خمسمائة سنة.
وفي رواية عنهُ: أنه نام ليلةً في سجودهِ قالَ: فإذا بها قدْ ركضتني بِرِجْلِهَا، وقالتْ: حبيبي أترقدُ عيناكَ والملِكُ يقظانُ ينظرُ إلى المتهجدينَ في تهجدِهم؟ بؤسًا لعينٍ آثرت لذةَ نومٍ على مناجاةِ العزيزِ، قمْ فقدْ دنا الفراغُ، ولقيَ المحبونَ بعضهم بعضًا، فما هذا الرقادُ يا حبيبي وقرةَ عيني؟
أترقدُ عيناكَ وأنا أُربَّى لكَ في الخدورِ منذ خمسمائةِ عامٍ؟
فوثبَ فزعًا، وقد عرقَ من توبيخهَا له، قالَ:
وإن حلاوةَ منطقها لفي سمعي وقلبي" انتهى من "تفسير ابن رجب" (2/184).
والله أعلم.