أملك متجرًا للمجوهرات، وأبيع المجوهرات الذهبية، الذهب ليس للاستخدام الشخصي لكن لبيعه للعملاء، فهل لا يزال عليّ أن أدفع الزكاة على هذا الذهب ؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل أحتاج إلى خصم ما أَدين به للمورّدين، وأيضًا للرهن العقاريّ والقروض المستحقّة؟ وقد ارتفعت قيمة الذهب الذي أتاجر به، وعندما أقوم بالبيع يجب أن أستمرّ في استبدال البضاعة بأسعار السوق الحالية، أشعر بالارتباك لأننا ندفع ضرائب المملكة المتّحدة على الأعمال التجارية، وقيل لي أنّه ينبغي علينا دفع ٢.٥ ٪ على البضاعة أيضًا، وهو حوالي عشرة آلاف جنيه استرليني للكيلو.
الحمد لله.
تجب الزكاة في الذهب المملوك لرجل، إجماعا، سواء تاجر فيه أم لا، إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول.
وإنما حصل خلاف في الحلي المباح أي الذي للمرأة.
ونصاب الذهب عشرون مثقالا أو دينارا، أي 85 جراما من الذهب النقي وهو عيار 24، وأما الذهب عيار 21 فنصابه 97 جراما.
ونصاب الفضة مائتا درهم ، وهو 595 جراما.
فمن ملك نصاب الذهب وحال عليه الحول لزمته الزكاة، بإخراج ربع العشر (2.5%) ؛ سواء أخرجها منه ، أو من قيمته ، أو من ذهب آخر يملكه.
قال ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" ص46: "وأجمعوا أن في مائتي درهم خمسة دراهم.
وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالا قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه...
وأجمعوا على أن الذهب إذا كان أقل من عشرين مثقالا، ولا يبلغ قيمتها مائتي درهم أن لا زكاة فيه" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/ 35): "باب زكاة الذهب والفضة، وهي واجبة بالكتاب، والسنة، والإجماع" انتهى.
كل ما يتاجر فيه الإنسان ، تجب فيه الزكاة، ولو كان في الأصل ليس زكويا.
فالمجوهرات كالألماس، لا زكاة فيها في الأصل، لكن إن كانت للتجارة وجبت فيها الزكاة.
فكونك تتاجر في هذا الذهب، يؤكد عليك الزكاة، ولا يسقطها كما ظننت.
أنت مخير في إخراج زكاة الذهب بين أمرين:
1-أن تخرج ربع العشر، من الذهب الذي عندك، مشاعا، فلا تتعمد إخراج ما مصنعيته قليله، أو ما فصوصه كثيرة.
2-أن تقوّم الذهب الذي لديك بالسعر الحالي الذي يباع به- لا بسعر الشراء-ثم تخرج من هذه القيمة 2.5% .
قال في "كشاف القناع" (5/23) – ط وزارة العدل - : "(وإن كان) الحلي (للتجارة) : فالاعتبار في الإخراج بقيمته لأنه مال تجارة...
(فالاعتبار في الإخراج) منه (بقيمته) ؛ لأنه لو أخرج ربع عشره وزنا ، لفاتت الصنعة - المتقومة شرعا - على الفقراء، وهو ممتنع .
(فإن أخرج منه مشاعا) : أجزأ ؛ لأنه أخرج الواجب .
(أو) أخرج (مثله وزنا ، مما يقابل جودتُه ، زيادةَ الصنعة : جاز) ؛ لأنه أخرج قدر الواجب وزنا وقيمة." انتهى.
الديون التي عليك، لا تخصم من الزكاة، على القول الراجح، وهو مذهب الشافعي رحمه الله، كما بينا في جواب السؤال رقم : (22426)، ورقم :(120371) .
والقروض المستحقة، إن كانت هي الديون : فكما قلنا.
والضرائب، لا تخصم أيضا من الزكاة.
واعلم أن الزكاة فريضة توعد الله تاركها بالعذاب الأليم فقال: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ التوبة/34، 35
وروى مسلم (987) عن أبي هُرَيْرَةَ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ .
وهي مع كونها فريضة، تنمّي المال ، وتزيده ولا تنقصه، كما روى مسلم (4689) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ .
وروى أحمد (18031)، والترمذي (2325) عن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً ، فَصَبَرَ عَلَيْهَا : إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا. وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ ، قَالَ:
إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:
عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ.
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا ، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ ؛ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ؛ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا ، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ.
وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا ، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ
.
والحديث حسنه محققو المسند.
فاحذر أن تتهاون في أمر الزكاة، أو أن تؤخر إخراجها، فإنها واجبة على الفور، وقد أحسنت بالسؤال عن أمر دينك، ونسأل الله أن يوفقك للعمل، وأن يبارك لك ، ويخلف لك خيرا.
والله أعلم.