زوج أختى مقيم فى أيرلندا حتى انتهاء عقد عمله بعد ٥ سنوات، يقيم فى بيت للإيجار، ويرغب فى شراء بيت؛ لخوفه أن تطرده صاحبة المنزل فى أى وقت لتأجيره لشخص آخر أو بيعه، وقد حدث هذا مع بعض زملائه، وفى حالة حدوث هذا يصعب استئجار منزل آخر، وقد حدث هذا أيضا مع بعض زملائه؛ نتيجة لصغر البلد، وعدم توافر البيوت المؤجرة، عند شراء أى بيت يقوم البنك بشراء البيت، ودفع ثمنه كاملا للبائع، ثم يقوم البنك ببيعه لك بسعر أعلى عن طريق أقساط ثابتة لمدة خمس سنوات، ثم أقساط قد تتغير أو لا حسب سعر العملة، وقد اطلع على فتوى للمجلس الأوروبى بحلية هذا النوع من الشراء من باب الاضطرار. والسؤال هنا : 1- هل هذا النوع من الشراء حلال أم هو ربا ؟ وإن كان ربا فيرجى توضيح موضع الربا من هذه العملية؟ 2- وإذا كان ربا وقام ببيع البيت بعد ٥ سنوات قبل تسديد الأقساط المتغيرة فهل بهذا يكون قد تخلص من شبهة الربا؟
الحمد لله.
أولا:
شراء البنك للبيت ثم بيعه للعميل بربح، يسمى بيع المرابحة، وهو جائز إذا انضبط بالشروط الآتية:
1-أن يملك البنك البيت، ويقبضه-وذلك بتخليته واستلام مفاتيحه- قبل أن يبيعه على العميل.
2-ألا يأخذ البنك مقدما من العميل، أو ما يسمى: هامش الجدية، في مرحلة الوعد.
3-أن يخلو العقد من شرط ربوي كاشتراط غرامة على التأخر في سداد الأقساط.
4-أن يخلو العقد من شرط ينافي مقتضاه، كاشتراط ألا تنتقل الملكية للعميل إلا بعد سداد الأقساط.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (81967)، ورقم : (270088).
ثانيا:
يشترط لصحة البيع- مرابحة كان أو غيره- معلومية الثمن عند العقد، في قول جمهور الفقهاء.
قال في "الإنصاف" (4/ 309): " (السابع: أن يكون الثمن معلوما) يشترط معرفة الثمن حال العقد، على الصحيح من المذهب. وعليه الأصحاب" انتهى.
فلا يصح البيع إذا كان الربح – في بيع المرابحة - متغيرا، أو كانت الأقساط أو بعضها ليس معلوما عند العقد؛ لما في ذلك من جهالة الثمن.
وثمة وجه آخر للمنع " هو أن الثمن المؤجل في عقد المرابحة: يثبت ديناً في ذمة المشتري، وربطه بالمؤشر يؤدي إلى زيادة هذا الدين، تبعاً لزيادة الفائدة الربوية في سوق لندن، فيكون هذا شبيهاً بجدولة الدين الممنوعة شرعاً" انتهى من "معيار المرابحة" للدكتور محمد بن محمود آل خضير، ص299
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي رقم: 124 (2/22) بتحريم البيع بالربح المتغير، ونص على ما ذكرنا من علتي التحريم، مع إجازة الإجارة بأجرة متغيرة عن الفترات المستقبلة.
ونص القرار:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته (الثانية والعشرين) المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من 21-24 رجب 1436هــ التي يوافقها 10-13/مايو 2015م قد نظر في موضوع (البيع أو التأجير بالسعر المتغير).
والمراد به: عقد بعوض آجل، على أقساط محددة، يتفق فيها العاقدان على أصل الدين، ويضاف إليه عند حلول كل قسط: ربح على المقدار غير المسدد من أصل الدين، ويتحدد ذلك الربح بناء على مؤشر منضبط متفق عليه.
والإجارة بسعر متغير، هي: عقد إجارة طويلة المدة، تحدد فيه الأجرة حين العقد للمدة الأولى، وتربط بقية الأجرة بمؤشر متفق عليه، بحيث تحدد في نهاية كل مدة أجرة المدة التي تليها.
وبعد الاستماع إلى البحوث المقدمة، والمناقشات من أعضاء المجمع، والباحثين، وحيث إنه لا خلاف بين أهل العلم أن من شروط صحة العقد، العلم وقت العقد بالمعقود عليه ثمناً ومثمناً، علماً نافياً للجهالة، وسالماً من الغرر. فقد قرر المجمع ما يلي:
أولاً: أن عقد البيع بسعرٍ آجل متغير لا يصح؛ للأسباب الآتية:
1- جهالة الثمن وقت العقد، وهي جهالة كبيرة تفضـي إلى المنازعة، ويحصل معها الغرر والمخاطرة، وليست من الجهالة اليسيرة المغتفرة.
2-إن تأجيل الثمن يجعله ديناً في ذمة المشتري، وتغيُّر المؤشر بالزيادة، يعني زيادة الدين بعد لزومه، مما يوقع في شبهة الربا.
ثانياً: يجوز عقد الإجارة بأجرة متغيرة، مرتبطة بمؤشر منضبط معلوم للطرفين، يوضع له حد أعلى وأدنى، شريطة أن تكون أجرة الفترة الأولى محددة عند العقد، وأن تحدد أجرة كل فترة في بدايتها.
والفرق بين عقد الإجارة وعقد البيع هو أن عقد الإجارة يغتفر فيه من الغرر ما لا يغتفر في البيع، باعتباره يقوم على بيع منافع في المستقبل، تتجدد شيئاً فشيئاً؛ بخلاف عقد البيع الذي يقع على عين قائمة.
وقد أجاز الفقهاء استئجار الأجير بطعامه وكسوته، وأجازوا استئجار الظئر، بحسب العرف.
ولأن عقد الإجارة متغيرة الأجرة يخلو من شبهة الربا.
ثالثاً: يرى المجمع مناسبة عقد ندوة للبحث في بدائل البيع بالسعر المتغير القابلة للتطبيق، والتي لا تتعارض مع أصول الشريعة الإسلامية في العقود، ويمكن بواسطتها معالجة المشكلة التي تواجه العاقدين بسبب تغير الأسعار.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى.
وجاء في "المعايير الشرعية" الصادر عن هيئة المحاسبة الإسلامية ص297: "يجب أن يكون كل من ثمن السلعة، في بيع المرابحة للآمر بالشراء، وربحها : محددا ومعلوما للطرفين عند التوقيع على عقد البيع.
ولا يجوز بأي حال أن يترك تحديد الثمن أو الربح ، لمتغيرات مجهولة أو قابلة للتحديد في المستقبل؛ وذلك مثل أن يعقد البيع ، ويجعل الربح معتمدا على مستوى الليبور (LIBOR) الذي سيقع في المستقبل.
ولا مانع من ذكر مؤشر من المؤشرات المعروفة في مرحلة الوعد ، للاستئناس به في تحديد نسبة الربح، على أن يتم تحديد الربح في عقد المرابحة للآمر بالشراء ، على أساس نسبة معلومة من التكلفة ، ولا يبقى الربح مرتبطاً بالليبور أو بالزمن" انتهى.
ثالثا:
قد يعتمد من يجيز هذه المعاملة على أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجاز البيع بما ينقطع به السعر، وبمثل ما باع به فلان، فصحح البيع مع جهالة الثمن عند العقد، إذا كان مآله إلى العلم. وينظر: "الفتاوى الكبرى" (5/ 387).
ولكن هنا جهالة تفوق ما ذكره بمراحل، إضافة إلى شبهة الربا.
قال الدكتور عاصم بن منصور أبا حسين في بحثه "المؤشرات المالية":
"لا يمكن التسوية بين جهالة توجد ساعة ًالتعاقد، وتزول عقيبه، وبين جهالة تمتد مع امتداد الأجل.
وقد نص العلماء على اعتبار هذا الفرق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الذي رأيته من نصوص أحمد: أنه إذا كان البائع عالما بقدر الثمن، جاز للمشتري أن يشتريه منه بذلك الثمن، وإن لم يعلم قدره، فإنه ثمن مقدر في نفس الأمر، وقد رضي هو بخبرة البائع وأمانته.
وأما إذا كان السعر لم ينقطع بعد، ولكن ينقطع فيما بعد، ويجوز اختلاف قدره، فهذا قد منع منه؛ لأنه ليس وقت البيع ثمن مقدر في نفس الأمر، والأسعار تختلف باختلاف الأزمنة، فقد يكون سعره فيما بعد العقد أكثر مما كان وقت العقد
" انتهى من "مجلة البحوث الإسلامية"، العدد 112 لسنة 1438هـ، ص399
والحاصل :
أنه لا يجوز شراء البيت بهذه الطريقة، سواء باعه قبل الأقساط المتغيرة ، أو بعدها، لأن الشراء لم يصح من أساسه ، لجهالة الثمن.
والله أعلم.