في كثير من الأحيان أدخل المسجد وأجد الإمام يلحن في الفاتحة لحنا يحيل المعنى، وفي البداية كنت أترك الصلاة، وأخرج من المسجد، وكثير من المساجد كذلك، وكنت أبحث عن مسجد فيه إمام متقن للفاتحة، ووجدت، لكن لا يكونون موجودين في جميع الصلوات، أما الآن فأصلي خلف الإمام، ونيتي منفردا، ولا أنوي صلاة الجماعة، وفقط أتابع الإمام صوريا، فهل علي إثم في ذلك؟ وهل تجزئني الصلوات التي صليتها بهذه الكيفية؟ أم ينبغي إعادتها؟ مع العلم أني لا ألجأ لذلك إلا في حالة الضرورة وما شابهها.
الحمد لله.
أولا:
سبق في جواب السؤال رقم (194317) بيان أن المصلي المتمكن من القراءة الصحيحة للفاتحة، لا يصح له أن يقتدي بإمام يخطئ في تلاوة الفاتحة على وجه يغير معناها.
ثانيا:
واقع الحال يقول: إنه من النادر جدا أن يكون الإمام الراتب في مسجد جماعة يلحن في الفاتحة لحنا يغير المعنى، ولا تصح الصلاة معه.
وأبعد من ذلك أن ينتشر ذلك في بلدك، بحيث تحتاج إلى أن تتبع المساجد لتعثر على إمام يتقن الفاتحة؛ وإذا عثرت عليه لم تجده مواظبا على الصلاة في مسجده، حتى يخلفه في الإمامة من لا تصح الصلاة خلفه!!
هذا من المستبعد جدا، ونخشى أن يكون في ذلك قدر من التكلف منك، أو التقعر والتشديد في النظر لما يغير المعنى، ويفسد الصلاة من الخطأ!!
وإذا افترضنا أن المصلي لا يجد – في بعض الأحيان - إماما يقتدي به، إلا من لا يحسن قراءة الفاتحة ويغير معناها، فهل يصلي وراءه موافقا لأفعاله من غير نية الاقتداء؟
اختلف في هذا أهل العلم.
قال العمراني رحمه الله تعالى:
"ولا تصح الجماعة للمأموم، حتى ينوي الاقتداء بالإمام؛ لأنه يريد أن يتبع غيره، فلا بد من نية الاتّباع.
فإن صلى خلفه، وتابعه في الأفعال، ولم ينو الاقتداء به، فهل تصح صلاته؟ فيه وجهان." انتهى من"البيان" (2 / 366 – 367).
ومن أبطل الصلاة في هذه الحال؛ فحجته أن المصلي ربط صلاته بمن ليس بإمام له.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:
"فلو ترك هذه النّيّة وتابعه في الأفعال بطلت صلاته على الصّحيح، لأنه ارتبط بمن ليس بإمام، فأشبه الارتباط بغير المصلي، والثاني: لا، لأنه أتى بالأركان على وجهها، نعم؛ هو منفرد، وهذا كله إذا انتظر أفعاله وطال انتظاره، فإن كان يسيرا فلا يبطل قطعا." انتهى من"عجالة المحتاج" (1 / 332 – 333).
والقول الثاني، وهو القول بالصحة: هو الأرجح؛ لأن المصلي إذا نوى الصلاة منفردا وأتى بجميع أركان الصلاة وواجباتها، فالأصل صحة صلاته، ولا يؤمر بإعادتها إلا بدليل.
قال عبد الباقي الزرقاني رحمه الله تعالى:
"يراد بالاقتداء مطلق المتابعة؛ ومطلقها يصدق بأمرين:
أحدهما: أن يتابعه على أنه يحمل عنه سهوه وتركه الفاتحة والسورة عمدا، وغير ذلك مما يحمله الإمام عن مأمومه: وهذا لا بد فيه من نية الاقتداء؛ فإن نوى حملها لما ذُكر، ولم ينو الاقتداء: بطلت صلاته.
ثانيهما: أن يتابعه في أفعاله، لا على أن يحمل عنه ما ذكر، ويأتي في صلاته بما تتوقف صحتها عليه، فهو إنما يتابعه صورة، لا حقيقة؛ وهذه لا يشترط فيها نية الاقتداء، وصلاته صحيحة بدونها. وإنما يحصل ذلك غالبا ممن يعلم قادحا في صلاة الإمام، ويخشى ضررا بصلاته منفردا عنه..." انتهى من "شرح الزّرقاني على مختصر خليل" (2 / 36 - 37).
وقال أبو عبد الله الخرشي رحمه الله تعالى:
"فإن من وجد شخصا يصلي ونوى الاقتداء به فهو مأموم وحصلت له نية الاقتداء، وإن نوى أنه يصلي لنفسه، ولم ينو الاقتداء به، فهو منفرد، وصلاته صحيحة إن قرأ، وإلا بطلت من ترك القراءة، لا لترك نية الاقتداء" انتهى من "شرح مختصر خليل للخرشي" (2 / 37).
وهذا إنما يحتاج إليه في حق من يتفاجأ بحال هذا الإمام، ولا يمكنه الصلاة خلف غيره.
فأما من كان يعلم ذلك من حال إمام المسجد، وتحقق ذلك، وليس على التوهم، ولا التقعر، ولا الوسواس؛ فمثل هذا لا يشرع له الصلاة خلفه، بنية المتابعة الصورية، بل يبحث عن مسجد آخر، يصلي خلف إمامه، ويصعب جدا أن يكون ذلك حالا غالبا أو كثيرا على أئمة بلدك ومحلتك.
فإذا قدر أنه لم يمكنه الذهاب إلى غيره، أو لم يتيسر له الصلاة خلف إمام يقيم الفاتحة، فالظاهر أنه يصلي جماعة بأهل بيته، وهو خير له من المتابعة الصورية، التي هي في حكم المنفرد، ومن أهل العلم من أبطل الصلاة بها؛ فليخرج من الخلاف، وليصل جماعة بأهل بيته، أو منفردا بنفسه إن لم يجد جماعة أخرى يصلي معها، لهذا العارض، ثم ليطلب له جماعة تصح صلاته معهم، في المعتاد من الأحوال.
ثم إنه ينبغي لك أن تناصح إمام مسجد حيّك، وتسلك مسلك الرفق في تنبيهه لأخطائه، أو توسط من ترى كلامه مسموعا عند هذا الإمام حتى يجتهد في تصحيح تلاوته.
وينظر للفائدة: جواب السؤال: (حكم إمامة من لا يحسن قراءة الفاتحة ).
والله أعلم.