الحمد لله.
أولا:
لا يضرك لو دخل إنسان إلى صفحتك، ونظر فيمن يتابعك، ثم دخل صفحته، فقاده ذلك إلى محرم، نظرا أو استماعا؛ فإن تبعة ذلك عليه، وهو من قد جنى على نفسه، ولا يكلف الإنسان أن يجعل المتابعة مقصورة على أناس يعرفهم، فإن هذا مناف للغرض الأقوى من وسائل التواصل، وهو إيصال المادة لأكبر عدد ممكن، سواء كانت مادة دينية علمية أو دعوية، أو مادة تجارية، ولا يعتبر فتح الباب للمتابعة إعانة على المعصية لمن انتقل من صفحتك، وذهب يقلب في صفحات المتابعين، فعصى ربه.
قال تعالى: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) القيامة/14-15.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (8/ 277): "أَيْ: هُوَ شَهِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، عَالِمٌ بِمَا فَعَلَهُ وَلَوِ اعْتَذَرَ وَأَنْكَرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الْإِسْرَاءِ: 14] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ يَقُولُ: سمعُه وبصرُه وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وجوارحُه.
وَقَالَ قَتَادَةُ: شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ" انتهى.
وقال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) الإسراء/15.
ولو روعي ما ذكرت، ما أبيح لأحد أن يفتح باب المتابعة للآخرين، وفي هذا تضييق لا نعلم قائلا به.
ثانيا:
لا حرج في رسم ما لا روح فيه، والتكسب من ذلك، لجواز التكسب من كل ما هو مباح، وقد روى البخاري (2225) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا)!!
فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ.
فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ، فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ".
والله أعلم.