أريد أن أسأل عن كتاب "جواهر القرآن" للغزالي، هل هو كتاب جيد؟ وتنصحونا بقرائته؟ أم عليه ملاحظات؟
الحمد لله.
أولًا :
"الغزالي" : هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي المعروف بالغزالي، ولد بطوس سنة (450هـ) وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس.
وقد ذكرنا ترجمة الغزالي والتعريف به في جواب سؤال (من هو الغزالي).
ثانيًا :
كتاب "جواهر القرآن" للغزالي في بحث مقاصد القرآن الكريم، وما اشتمل عليه من أسرار، و"سِرُّ القرآن، ولُبَابُه الأصفى، ومقصدُهُ الأقصى، دعوَةُ العباد إلى الجَبَّار الأعلى، ربِّ الآخرةِ والأولى، خالق السماوات العُلَى، والأرَضين السُلفى"، (ص 23).
وذكر فيه أن سُوَر القرآن وآياته على ستة أنواع:
- ثلاثة منها: هي السوابق والأصول المُهِمِّة.
- وثلاثة: هي الرَّوادف والتوابع المُغنِيَة المُتِمَّة.
أما الثلاثة المُهِمَّة فهي:
(1) تعريف المدعو إليه.
(2) وتعريف الصراط المستقيم الذي تجب ملازمته في السلوك إليه.
(3) وتعريف الحال عند الوصول إليه.
وأما الثلاثة المُغْنِيَة المُتِمَّة:
- فأحدها: تعريف أحوال المُجيبين للدعوة ولطائف صُنع الله فيهم؛ وسِرُّهُ ومقصودُه التشويقُ والترغيبُ، وتعريفُ أحوال النَّاكبين والنَّاكلين عن الإجابة وكيفيةُ قمعِ الله لهم وتنكيلِهِ لهم؛ وسِرُّهُ ومقصوده الاعتبار والترهيب.
وثانيها: حكاية أحوال الجاحدين، وكَشْفُ فضائحهم وجهلهم بالمجادلة والمُحاجَّة على الحق، وسِرُّه ومقصوده في جنب الباطل الإِفضاحُ والتَّنْفير، وفي جَنب الحق الإيضاحُ والتَّثْبيتُ والتَّقهير.
وثالثها: تعريف عمارة منازل الطريق، وكيفية أخذ الزاد والأُهبة والاستعداد"، (ص 23 - 24).
وذكر رحمه الله وجه تفضيل بعض السور والآيات القرآنية كسورة الفاتحة والإخلاص وآية الكرسي.
ثالثًا :
هنا بعض الملاحظات العامة، يمكن إبداؤها على الكتاب المذكور "جواهر القرآن":
1- ما قد يفهم من التهوين من شأن علوم الظاهر، كاللغة والقراءات، وحتى التفسير الظاهر، (ص37-38).
2- تأثر الغزالي بالنظر الصوفي الفلسفي، بل والباطني أيضا، خلال الكتاب، كما سيأتي .
3- توسع الغزالي في العلوم التي دل القرآن عليها (ص 44).
4- ما قد يفهم من التهوين من الاقتصار على تفاسير الصحابة (ص51)، وقد ناقشه ابن تيمية كما في "بغية المرتاد" (ص:330-332)، وانظر : " شرح مقدمة في أصول التفسير"، لابن تيمية، د. مساعد الطيار(ص37).
5- اعتماد على الأحاديث الضعيفة والتي لا تصح كحديث (يس قلب القرآن) (ص97)، وانظر الجواب رقم: (13473)، (27328).
رابعا:
يمكن مناقشته في الآيات التي جمعها رحمه الله، وأدار عليها كتابه. يقول د. دراز : " وأما في المجال العملي فمن الحق أن الغزالي -كما نعلم- قد حاول في كتابه "جواهر القرآن" أن يحلل جوهر القرآن، وأن يرده إلى عنصرين أساسين، يتصل أحدهما بالمعرفة، ويتصل الآخر بالسلوك. وانتهى إلى أن حصر في القرآن من النوع الأول سبعمائة وثلاثًا وستين آية؛ كما حصر من النوع الثاني سبعمائة وإحدى وأربعين آية".
وقال: " وعلى كل حال، فإن جميع المؤلفين، بما فيهم الغزالي، وقد جمعوا بطريقتهم الآيات القرآنية بترتيب السور - جعلوا من مختاراتهم مجرد جمع لمواد متفرقة، لا تربط بينها روح قرابة، ولا يظهر فيها أي تسلسل للأفكار.
ولذلك، فعندما فقدت الوحدة الأولى لكل سورة لم يستطيعوا أن يكملوا عملهم بإيجاد وحدة منطقية، تربط بين الأجزاء المختارة، أو تصنيف منهجي تقتضيه قاعدة التعليم".
دستور الأخلاق في القرآن (ص:5-7).
خامسا:
هذا الكتاب مما لا يصلح أن يطالع فيه، أو يعتني فيه، إلا طالب العلم، الذي درس أصول فهم القرآن وتفسيره، وعرف طرائق المنحرفين، وتفاسير الصوفية والفلاسفة، ليمكنه الانتباه إلى ما يوجد في هذا الكتاب من مادة فلسفية، أو تأويلية باطنية.
وفي بيان المادة الفلسفية الباطنية في تراث الغزالي بعامة، وكتابه "جواهر القرآن" خاصة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
" وأما ابن عربي وابن سبعين وغيرهما ونحوهما فحقائقهم فلسفية غيَّروا عبارتها وأخرجوها في قالب التصوف أخذوا مُخَّ الفلسفة فَكَسوه لِحاءَ الشريعة. وابن سينا ذكر في آخر إشاراته الكلام على مقامات العارفين بحسب ما يليق بحاله وذلك يعظّمه من لم يعرف الحقائق الإيمانية والمناهج القرآنية.
وأبو حامد الغزالي قد ذكر شيئًا من ذلك في بعض كتبه لا سيما الكتب المضنون بها على غير أهلها ومشكاة الأنوار وجواهر القرآن وكيمياء السعادة ونحو ذلك ولهذا قال صاحبه أبو بكر بن العربي شيخُنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منه فما قدر.
لكن أبو حامد مع هذا يُكَفِّر الفلاسفةَ في غير موضع وبيَّن فسادَ طريقتهم وأنها لا تُحَصِّل المقصود وهو في آخر عمره اشتغل بالبخاري ومات على ذلك ولهذا قيل إنه رجع عن هذه الكتب ومن الناس من يقول إنها مكذوبة عليه ولهذا كَثُر كلامُ الناس فيه لأجلها كما تكلَّم المازَرِيُّ والطرطوشي وأبو الحسن المرغيناني والقُشَيري وابن عقيل وابن الجوزي والقرطبي وأبو البيان الدمشقي وغيرهم وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع." انتهى من "الرد على الشاذلي"(41-42).
وقال أيضا: " وقد بسطنا القول على هؤلاء وعلى هؤلاء وأمثالهم من المتفلسفة والاتحادية والمتكلمة والمتصوفة الذين دخلوا معهم والمقصود هنا التنبيه على ما دخل في كلام صاحب الحِزْب وأمثاله من كلامهم.
وهؤلاء قد يسمون العقل القلم ويسمون النفس الفلكية اللوح ويدَّعون أن ذلك هو اللوح المحفوظ في كلام الله ورسوله ولهذا يدَّعي أحدهم أنه اطلع على اللوح المحفوظ وأنه أخذ مريديه من اللوح المحفوظ وفي كلام صاحب الحزب وغيره من ذلك وأخذوا ذلك من كلام أبي حامد الغزالي في ميزان العمل وجواهر القرآن والمضنون به على غير أهله وغير ذلك.
فإنه يجعل اللوح عبارة عن النفس ويجعل الفلك عبارة عن العقل الأول كما يجعل الملك والملكوت والجبروت عبارة عن الجسم والنفس والعقل وصاحب الحزب دخل في هذا الباب كما دخل فيه ابن عربي وغيره." انتهى من "الرد على الشاذلي"(141).
ويقول أيضا : "وليس لأحد اطلاع على اللوح سوى الله.
وما يوجد في كلام بعض الشيوخ والمتكلمين من الاطلاع عليه؛ فمبني على ما اعتقدوه من أن اللوح هو العقل الفعال، وأن نفوس البشر تتصل به، كما يذكر ذلك أصحاب رسائل إخوان الصفا...
وقد يوجد في كلام أبي حامد الغزالي في مثل جواهر القرآن والإحياء، ويظن من لا يعرف حقيقة هؤلاء، ولا حقيقة دين الإسلام: أن هذا من كلام أولياء الله المكاشفين، ولا يعلم هذا الجاهل أن الفلاسفة الصوفيين تقوله في العقل الفعال، وأن العالم السفلي يفيض عنه، وأنه في الحقيقة ربه ومدبره.
وكذلك ما يقولونه في العقول العشرة، من كون كل عقل يفيض عنه ما تحته، وهو كفر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى.
وهؤلاء يأخذون لب الصابئة ويكسونه لِحاء الإسلام. وهم من جنس الملاحدة المنافقين؛ يلبسون على المسلمين.
وإن كان منهم من قد تاب أو تلبس عليه، مع أن أصل الإيمان معه، وأخطأ في ذلك أخطاء قد يغفرها الله له" انتهى من "المستدرك على مجموع الفتاوى"(1/121).
وينظر أيضا: "جامع الرسائل"(1/163).
والخلاصة:
أن هذا الكتاب مع ما فيه من بعض الفوائد؛ إلا أنه يحتاج إلى نظر خاص، وإلى طالب علم متمكن، حتى يكون القارئ له على بصيرة من أمره .
والله أعلم